وتلقى مسرحياته رواجا واسعا لما تحتفظ به من أصول الفن المسرحي و ما تحتوي من عناصره و مقوماته فهي أعمال مسرحية تامة ، لا يقلد فيها توفيق كاتبا غربيا بعينه ، بل يستمد من مواهبه و من ىبيئته و روحه المصرية العربية . وحقا أنه يغلب على شخوصه التفكير الفلسفي و التجريدي ، و لكن هذا مذهبه ، و هو يدل دلالة واضحة على رقي حياتنا العقلية ، فقد أصبح لكتابنا أو لبعضهم على الأقل فلسفة تستهوي العقول و القلوب .و تعتمد فلسفة توفيق على الإيمان بقصور العقل و الإتحاه نحو الروحيات التي تجري في حياة الشرقيين و أعماق نفوسهم .
و أخد هذا المجال المسرحي يجذب إليه كثيرين من الجيل الجامعي و غيره ، و من أهم من جذبهم إليه محمود تيمور ، و كان يكتب مسرحياته أولا بالعامية كأخيه محمد ، ثم نقل من العامية إلى الفصحى بعض مسرحياته و أنشأ أخرى على اللسان الفصيح من أول الأمر ، و هو في أكثر مسرحياته مثل قصصه يعنى بالجوانب الإجتماعية في بيئته ، و يمد هذه البيئة فتشمل الريف و حياة الفلاحين . و قد يستمد في مسرحياته من التاريخ العربي. و هو دائما يمسح على علمه بتحليلات نفسية يصور فيها الطبيعة الإنساتية ، و من هنا كان صراع مسرحياته غالبا يدور بين العقل و الغريزة الباطنية .
و بجانب تيمور وتوفيق الحكيم تصنع محاولات كثيرة في هذا الفن المصري الحديث ، و كثيرا منها يستحق الثناء لما يبذله فيه أصحابه من إبداع و مهارة . و على هذا النحو استطاعت مصر أن تحققق لنفسها نهظة أدبية رائعة ، فإنها رفعت كل الحواجز التي كانت تفصل بينها و بين الآداب الكبرى في العالم ، فأصبح لها لاأدب كبير فيه المقالة و القصة و المسرحية و الشعر التمثيلي واصبح كثير من هذا الأداب يترجم إلى سائر اللغات .
كان المسرح و ما يزال هو النقطة التي يبدأ منها ، عادة انطلاق الشرارة نحو الثقافة و التطور و المساعدة في تطوير المجتمعات ، و الوصول إلى حال أفضل . و على مر الأزمان خضع للتحوير و التشكيل سواء كان ذلك في شكل خشبته ، أم في شكل العروض التي تمثل داخله ، بل إن دور التمثيل نفسها كانت موضعا للتغيير و التبديل ، فقدم الأدب المسرحي في الميادين و خارج المعابد ، و داخل الكنائس ، ومر بمراحل كثيرة حتى أقيمت له دور التمثيل الحالية . نشأت الدراما أي المسرحية من الاحتفالات و الأعياد الديونيزية و من الطقوس و الرقصات و الأناشيد التي كانت تنشد ، و من المواكب التي كان يقيمها اليونانيون القدامى ، و كان المكان المعد لتلك الحفلات يسمى مسرحا.
المسرحية أو الدراما العالمية الحالية ، و هذا المسرح الجماعي الذي نعيش فيه من الرقص البدائي إلى التمثيلية الحديثة التي تشبه العرض الصحفي ، و من الطقوس الدينية إلى التمثيل الدنيوي ، و من المأساة الحديثة التي تشبه العرض الصحفي ، و من الطقوس الدينية إلى اتمثيل الدنيوي ، و من المأساة اليونانية إلى خطافات الصور المتحركة ، كل ذلك في مظاهره المربكة المحيرة يسجل لنا تعريفات عن المسرح و عن المسرحية أو الدراما ، و إذا استطاع أحدنا أن ينشر صورة للمسارح المختلفة التي تمثل فوقها الحياة ، لأدرك من فوره أنه لا يمكن أن يهتدي إلى التعريف الجامع المانع ، الذي يتسع للتعبير بالكلام عن عناصر الفن و طرزه ، و أحواله و عن مظاهر الحياة المسرحية و التمثيلية و اتجاهاتها. إن الفن المسرحي هو الفن الذي تلتقي عنده جميع الفنون ، إذ ليس بين الفنون فن كفن المسرح استطاع أن يصل موهبة الخلق الفني الغامضة بموهبة التلقي و الاستقبال .
المسرح ليس مجرد و سيلة تلرفيهية ، و إنما يتخطى دوره ذلك ففي فترات عظيمة جاهد كتابه و ممثلوه و مخرجوه في اكتشاف نواحي الجمال فيه ، ففن المسرح يعتمد في جوهره على حصيلة المعرفة في شمولها العام ، و على قدرة الإنسان على الاستكشاف و التعجب و التأمل . كان المسرح عند الإريق مظهرا دينيا ، و عند الرومان ما يشبه المتعة الرخيصة التي يتكفل بها الرقيق من أجل الترفيه عن مالكيهم ، و كان للكنيسة في عهدها الأول شرا ينبغي استئصاله ، غير أن الكنيسة عادت بعدها بعدة قرون تحتضن مسرحيات الأسرار و المعجزات ، كما بات جمهور اليوم يسترجع الأعمال الجيدة للمسرحي اليوناني " سوفوكليس " و الإنجليزي ، بتقديس ويظن النقاد أن هؤلاء الكتاب ليسوا بشرا عاديين ."وليم شكسبير" و االسويدي August Strindberg
إن المسرح بسبب إسهامه في تلبية احتياجات الإنسان الجمالية و الذهنية ، و بسبب نوع الجمهور الذي يرتاده ، و بسبب الرابطة الوثيقة التي تربط جمهوره بممثليه ، ثن بسبب مختلف القيم الأخرى ، لكل هذه الأسباب يبدو مقدرا له أن يعيش بضعة آلاف أخرى من السنين و حتى لو كتب للمسرح المختلف أن يحقق تنبؤا ت المتشائمين القديمة ، ويحل به الموت فسوف يبقى المسرح التربوي حقلا طبيعيا للتدريب و نقطة انطلاق للطالب في أيفرع من فروع الفنون المسرحية ، إذ أن المسرح الحي هو الجذر الذي تولدت عنه بقية الفروع الأخرى