العلامة و الرمز اللسانيان:
ماذا تعني العلامة بمعنـاها العـام ؟ و ما معنى العـلامة اللسانية ؟ و ما الفرق بيـن الرمز و العلامة ؟ و ما دور العلامة و الرموزظ اللسانية في العلاقة بين الإنسان و الواقع ؟.
إن العـلامة تتضمن فكـرتين إحداهما فكرة الشيء الممثل و الأخرى فكرة الشيء الممثل له، و يقوم الأولى بإثارة الفكرة الثانية في الذهن، فيتم استحضار هذه الفكرة عن طريق التمثل الذهني، إن أهمية العلامة تتمثل في إثارتها للنشاط الذهني و هناك أنواع من العلامات، هناك العلامات الطبيعية كالدخان مثلا الذي يعتبر علامة طبيعية تدل على وجود النار.
هناك أيضا علامات اصطناعية مثل علامات المرور، و هناك أسضا العلامات التجارية، أما النوع الثالث من العلامات فهو ما يسمى بالعلامات اللسانية، و تعتبر عـلامات ثقافية لأنها حاملة لفكر و تحيل على ثقافة محددة، فهل هناك فرق بين العلامة و الرمز ؟
إن طرح السؤال المتعلق بالفرق بين العـلامة و الرمز يحيلنا إلى مسألة العـلاقة بين الـدال و المدلول، الإسم و المسمى بالعالم الخارجي أو علاقة الأسماء بالأشياء، هناك تصورين لهذه العلاقة: لقد اعتبر أفلاطون أن العلاقة بينهما علاقة طبيعية لأن الإسم في نظره يعكس حقيقة المسمى أو خصائصه و مميزاته الطبيعية، أما علماء اللغة و الفلاسفة المعاصرين فقد اعتبروا أن العلاقة بين الإسم و المسمى أو الدال و المدلول هي علاقة اعتباطية، فما معنى الاعتباطية ؟.
إنها تعني أن العلاقة بين الإسم و المسمى لا يمكن تبريرها من الناحية العقلية أو المنطقية.
إن الاعتباطية تعني أيضا أن العلاقة بين الإسم و المسمى أو الدال و المدلول هي علاقة قسرية و القسرية هنا تتضمن معنيين:
إن الإسم لا يعكس حقيقة المسمى.
أن العلاقة بينهما لا تراعى فيها أية اعتباطات ذاتية أو عقلية كما أن الاعتباطية لا تعني أن الذات المتكلمة لها الحرية في التصرف في النظام اللغوي بل على العكس من ذلك، إن النظـام اللغوي يفـرض على الـذات المستعملة له احتـرام القـواعد و الضوابط التي تنظمه، فما دور العلامات و الرموزظ اللسانية ؟ و ما علاقتها بالعالم الخارجي ؟ و قبل ذلك ما الفرق بين العلامة و الرمز ؟.
إن الرمز ينتمي إلى مجال العلامات و لكنه علامة تستخدم بمعنى خاص و إذا كانت العلاقة بين العلامة و بين ما تحيل إليه علاقة اعتباطية، فإن العلامة التي تستخدم رمزا تحافظ على علاقة طبيعية بينها و بين ما ترمز إليه دون أن يكون هناك تطابق كلي بينهما و كمثال على ذلك العلامة اللسانية "الثعلب أو الأسد" فحينما نستعملها في سياق عام فإن الحديث يكون عن حيوانات لها نمط عيش خاص بها و لكن حينما نستخدمها كرموز كأن نقول عن شخص بأنه ثعلب أو إنه أسد، فنحن لا نعني أن هذا الشخص تحول إلى حيوان، بل نقصد أنه يشترك مع كل منهما في خاصية معينة و هي خاصية توجد في طبيعة كل منهما: المكر و الشجاعة و من هنا نستخلص أن الـرمز يشترك في خاصية طبيعية بينه و بين ما يـرمز إليه، فما دور العـلامات و الرموز اللسانية ؟.
إن كون العلامة اللسانية تقوم على الصوت تجعلها مختلفة و متميزة و مختلفة عن باقي العلامات لأن ارتكازها على هذا المكون الصوتي يجعلها متحررة من الارتباط المباشر بالأشياء المادية أو بالإدراك الحسي لما يتم التواصل بشأنه، و يمكن القول إن دور العلامة اللسانية لا تحيل على شيء مادي بل تحيل على معنى الشيء الذي يجعلها تلعب دور الوسيط ما بين الإنسان و العالم الخارجـي. [ إن الأسماء تغنينا عن إحضار الأشياء بذكر أسمائها، "الفارابي" ].
إن العلامات و الرموز تشكل عالما موازيا للعالم الخارجي هو ما يمكن تسميته بالنظام اللغوي الرمزي بل يصبح بديلا للأشياء المادية، نحن إذن لا نتعامل مع الأشياء و الموجودات كما هي بل كما يحددها النظام اللغوي، إن هذا الأخير يعيد تشكيل العلاقات و تصنيف الموجودات حتى يستطيع التحكم في موجودات و مكونات العالم الخارجي، و بهذا المعنى يمكن القول إن النظام اللغوي كما يفرض نفسه على الإنسان الذي يستخدمه يفرض نفسه أيضا على العالم الخارجي، و على هذا الأساس يمكن القول إننا نتعامل مع الواقع كما يدركه الفكر من خلال اللغة. و من هنا تطرح إشكالية العلاقة بين اللغة و الفكر؟.
رجوع
اللغة، الفكر، التواصل:
إن إشكالية العلاقة بين اللغة و الفكر تحتمل افتراضين؛ إما أن نعتبر أن كلا منهما يوجد باستقـلالية عن الآخر و هـذا الموقف عند الفلسفة الكـلاسيكية و كمثال على ذلك موقف ديكـارت و برجسون، و إما أن نعتبر أن العلاقة بينهما علاقة تلاحم و تداخل بحيث لا يمكن أن نفصل أحدهما عن الآخر، و هذا الموقف نجده لدى الفلاسفة المعاصرين و اللسانيات الحديثة.
و تتخذ إشكالية العلاقة بين اللغة و الفكر الصيغة التالية: هل للفكر وجود سابق على اللغة ؟ أم أن الفكر و اللغة متلازمان ؟ بحيث لا يمكن أن نفصل أحدهما عن الآخر.
نجد الموقف الأول الذي يعتبر كلا منهما مستقلا عن الآخـر عند كـل من ديكـارت و برجسون.
ينطلق ديكارت من اعتبار الفكر جوهرا لا ماديا هو مبدأ كل وجود، و لهذا فهو سابق على اللغة التي تعتبر من طبيعة مادية، و لهذا يعتبر ديكارت أننا في حاجة إلى أداة لإخراج الفكر إلى حيز الوجود و جعله مدركا من قبل الآخرين، و هـذه الأداة هي اللغة، أما بـرجسون و إن كان يتبنى نفس الموقف الذي يتخذه ديكارت من علاقة الفكر باللغة إلا أنه يعتبر أن هذه الأخيرة عاجزة عن الإحاطة بكل موضوعات الفكر. إن برجسون يعتبر أن اللغة الإنسانية باعتبارها علامات و رموز ذات طبيعة مادية و أنها لا تغطي موضوعات العالم المادي إلا من خلال نقل الكلمة لتدل على أكثر من شيء.
لقد اعتبر برجسون أن اللغة الإنسانية عاجزة عن الإحاطة بكل موضوعات الفكر و هي على نوعين: المادة الجامدة و المادة الحية. إن العقل البشري حينما يتعامل مع المادة الجامدة يمكن أن يحقق تقدما معرفيا كما هو الحال في العلوم التجريبية، غير أنه حينما يتعامل مع المادة الحية فإنه يتعامل معها بنفس الطريقة التي تعود على التعامل بها مع المادة الجامدة، الشيء الذي يؤدي في نظره إلى قتل عنصر الحياة فيها و لهذا يدعو برجسون إلى توسيع مجال اللغة ليشمل لغة الحدس، و هي لغة خاصة غير قابلة للنقل ذلك أنها تعتمد على التجربة الذاتية الخاصة، فمثلا لكي ندرك ما هو الحزن أو الفرح لا يكفي أن توصف لنا هذه الحالة لأن الوصف سيكون غير أمين، و لهذا لابد أن يعيش الإنسان التجـربة بنفسه، ضد هـذا الموقف الـذي يفصل بين اللغة و الفكـر نجد موقف الفلسفة المعـاصرة و اللسانيات الحديثة التي تؤكد على أن الفكر لا وجود له إلا في شكل لغوي، و لا وجود للغة خالية من المعنى و الدلالة.
نجد هذا الموقف عند دي سوسير و إيميل بنفنسن و مرولوبوتي و كريستيفا، إلا أن كلا منهم يدافع عن هذا الموقف من زاوية خاصة، فبالنسبة لدي سوسير يعتبر أن العـلاقة بين اللغة و الفكر هي علاقة تلاحم و تداخل و يشبه هذه العلاقة بورقة العملة النقدية، بحيث لا يمكن تمزيق الوجه الأول دون أن يتمزق الوجه الثاني.