تقدیم:
شكلت منطقة فلسطین بتاریخھا وموقعھا محطة لأطماع الإمبریالیة والصھیونیة، فقد إلتقت مصالح الطرفین لتنسج أكبر قصة سرقة في
التاریخ البشري، سرقة أرض من أھلھا وتحویلھا لعنصر غریب وأجنبي والحكم على عرب فلسطین بالتشرد والضیاع. فكیف ظھرت
الصھیونیة؟ وكیف تمكنت من إحتلال أرض فلسطین؟ وكیف واجھ الفلسطینیون الإعتداءات الیھودیة الإنجلیزیة طیلة فترة ما بین الحربین
العالمیتین؟
1/ القضیة الفلسطینیة وتطوراتھا حتى الحرب العالمیة الثانیة :
1.1 / الارھاصات الاولى للحركة الصھیونیة وإعلان وعد بلفور :
الحركة الصھیونیة : من المعروف أن الیھود ومنذ سنة 70 میلادیة وھم متفرقون یشكلون أقلیات منغلقة على نفسھا ومضطھدة، ویعتبر
الیھودي الروسي لیون بنسكر أول مفكریھم، فقد دعا سنة 1882 إلى ضرورة تكوین قومیة یھودیة، وجاء مؤتمر بال 1857 لیقر أن الصھیونیة
حركة سیاسیة عالمیة ھدفھا تكوین وطن قومي للشعب الیھودي بفلسطین، ودعا یھود العالم إلى الھجرة نحو فلسطین. ستسغل الحركة الصھیونیة
ظروف الحرب العالمیة 1 لإقناع الساسة الإنجلیز بمشروعھا الاستعماري، والواقع أن إنجلترا والقوى الإمبریالیة الأخرى كانت لنا أھداف تتمثل
في تقسیم المنطقة العربیة بالمشرق وغرس جسم غریب یفصل بین عرب أفریقیا وعرب آسیا ویعیق قیام أیة وحدة عربیة ویضمن أمن قناة
السویس لصالح القوى الإمبریالیة. ھكذا تشاء الجغرافیة والتاریخ بإرتباط مصالح الصھیونیة بالإمبریالیة العالمیة، وأسفرت ھذه المجھودات
الصیونیة والمشروع الإمبریالي عن إصدار وعد بلفور في 2 نونبر 1917 ، وعد بلفور المشؤوم یحمل عناصر من الخطورة والمغالطة بشكل
كبیر؛ فھو یكون بین عشیة وضحاھا شعبا یھودیا ویلتزم بالتنازل لھ عن أرض فلسطین وھي أرض لا تملكھا إنجلترا بل إغتصبتھا بالقوة من
أھلھا وھم یرفضون التخلي عنھا، وفي الأخیر یشیر إلى الأمور التي ستحترم وھي الحقوق المدنیة والدینیة للطوائف الأخرى، ولم تجد
الصھیونیة وإنجلترا صعوبة في إلحاق فرنسا والولایات المتحدة بأطروحتھا، أما العرب فأنھم صدموا بوعد بلفور، وكانت الصدمة بین المفاجاة
والقوة، بحیث یمكن أن نقول أن العرب لم یستشعروا آنذاك خطورة الموقف.
2.1 / تطور القضیة الفلسطینیة في ظل الإنتداب الإنجلیزي :
بدأ الإنتداب الإنجلیزي سنة 1922 ، وقد أقرت بذلك عصبة الأمم في مؤتمر سان ریمو، حیث سیعمل الإنجلیز خلال فترة الإنتداب على
تھیئ الظروف لتحقیق وعد بلفور وبناء الدولة الیھودیة بأرض فلسطین، فالإنجلیز سیعینون الیھودي اللورد آلان ھربرت صمویل كحاكم عام
على قلسطین؛ ھذا الأخیر سیشجع الھجرة الیھودیة إلى فلسطین، ویصدر قوانین لصالح الیھود لتمكینھم من الإستقرار بفلسطین وخلق الأنشطة
الإفتصادیة والاجتماعیة.
لقد شكل تزاید الیھود بأرض فلسطین ومسھم المستمر بالمقدسات الدینیة للمسلمین مصدرا لعدة إضطرابات وثورات بالقدس ویافا وجنین
وغزة، أھمھا ثورة البراق والتي ذھب ضحیتھا عدد من الفلسطینیین والیھود والإنجلیز إضطرت بسبھا إنجلترا إلى إرسال لجنة برئاسة إیرل بیل
لتقصي الحقائق ومعرفة مصدر الثورة، وتوصلت إلى ضرورة تقسیم فلسطین بین العرب والیھود، وھذا ما تم سنة 1937 . لقد رفض العرب ھذا
التقسیم وانطلقت الثورة من جدید؛ في ھذه الظروف كانت إنجلترا غیر مستعدة لتقسیم مجھوداتھا بین مشاكل أوربا التي كانت تنذر بحرب عالمیة
ثانیة، ومشاكل فلسطین، لھذا ستلغي تقسیم 1937 في انتظار نھایة الحرب العالمیة الثانیة.
2/ التمركز الصھیوني بفلسطین ما بین الحربین :
1.2 / ركائز الاحتلال الصھیوني لفاسطین :
اعتمدت الحركة الصھیونیة عدة آلیات وركائز لإحتلال البلاد الفلسطینیة، وتمثل ذلك في :
* الھجرات الیھودیة : بدأ التمركز الیھودي في فلسطین قبل الحرب العالمیة الأولى وسیتقوى و یأخذ أبعادا خطیرة مع الانتداب
الإنجلیزي، فالإنجلیز ومنذ تعیین الیھودي اللورد آلان ھربرت صمویل حاكما على فلسطین، سیمنحون تسھیلات كثیرة للإستیطان
الیھودي، فقد تزاید عدد الیھود بشكل كبیر وسریع، و انتقل عددھم من 12 ألف سنة 1914 إلى 450 ألف سنة 1939 مقابل ملیون من
العرب. وكانوا یأتون من كل بقاع العالم خاصة من أمریكا وروسیا ومن دول شرق أوربا، وارتبطت ھجرتھم ببناء المستوطنات، فقد
. ارتفع عدد المستوطنات من 71 مستوطنة سنة 1922 إلى 203 سنة 1936
* تحویل الأراضي للیھود : كان الیھود وبدم من الإنجلیز یحولون أراضي العرب لصالحھم بكل الطرق من نزعھا بالقوة إلى الإغراء
بالمال مرورا بتخفیض الأسعار الفلاحیة ومنع التصدیر، إضافة إلى التضییق على الفلاح بالضرائب، ھكذا ارتفعت ممتلكات الیھود من
الأراضي الفلاحیة من 32500 دونم سنة 1922 إلى 1317000 دونم سنة 1936 ؛ ھذه الأرض ھي أخصب أراضي فلسطین، تركھا
العرب بالقوة والعنف لیتحولوا إلى قضیة سماھا العالم قضیة اللاجئین الفلسطینیین.
*احتكار الأنشطة الاقتصادیة : منع العرب من الاستثمار الصناعي، وطرد العمال العرب من الشغل لیحل محلھم الیھود، أما من تبقى فلم
یكن أجره یمكنھ من تعلیم الأبناء وضمان السكن. الحرفي الفلسطیني ھو الآخر تنوعت مآسیھ من ضرائب واعتداءات ومنع.
* الضرائب : تنوعت وارتفعت قیمتھا، ولم یعد الإنسان الفلسطیني في ھذه الظروف قادرا على تأدیتھا، مما سھل على الیھود الاستیلاء
على ممتلكات الفلسطینیین.
* القوة والعنف : منذ الانتداب الإنجلیزي عمل الیھود على إدخال الأسلحة إلى فلسطین وتكوین ملیشیات عسكریة وعصابات مدنیة
مھمتھا اغتیال الزعماء والثوار الفلسطینیین وترھیب العرب والدفع بھم إلى الخروج من أرض فلسطین.
2.2 / رد فعل الفلسطینیین مابین الحربین
الفلسطینیون ورغم قلة إمكانیاتھم، سیقفون أمام المشروع الصھیوني وسیقاومون بكل الوسائل المتوفرة لھم.
مرت المقاومة الفلسطینیة خلال ھذه الفترة من مرحلتین :
1935/1917 ) تمثلت المقاومة في ھذه المرحلة في تنظیم احتجاجات ومظاھرات للتندید بالسیاسة الإنجلیزیة المتسامحة مع الھجرة ) -
الیھودیة والممارسات الیھودیة التي شكلت مسا للمقدسات الدینیة للمسلمین، ھذه المقاومة ظلت ضعیفة من حیث التنظیم والتسلیح
والتنسیق وستنتھي بثورة عامة في كل مدن فلسطین وھي ثورة عز الدین القسام.
1939/1935 ) عرفت فلسطین ابتداء من 1935 ثورة عامة، میزھا ظھور قیادات جدید للمقاومة وظھور منظمات محلیة تستعمل من ) -
خلال الصحافة على تنبیھ الناس لخطورة بیع الأراضي للیھود، كما ستتبنى ھذه المنظمات العمل المسلح في المواجھة ضد الیھود
والإنجلیز، وسیقدم الفلسطینیون خلال ھذه المرحلة آلاف الشھداء؛ لكن میزان القوة قد مال إلى جانب الصھاینة المدعومین من طرف
الإنجلیز و أمریكا وروسیا وفرنسا.