هدير السيارة يزعج صمت الليل، لقد رست تماما، لكن هديرها ما زال يزعج الصمت، مدت المرأة يدها تحرك الرجل الذي ينام إلى جانبها . قال لها : إني لست نائما. قالت: سمعت ؟ قال: لقد جاء دوري إذن. في قلب الليل يحدث ذلك، يقومون بزيارات خاطفة ويمضون سريعا ... لكنهم يتركون آثارهم دائما. كان كل السكان الآن قد أيقظه هدير السيارة. توقعوا ما هنالك، توقعوا ما سيحدث.
قالت المرأة للرجل الذي ينام إلى جانبها: هل سيقتحمون الباب؟ قال لها: إذا لم يفتح الباب فسيقتحمونه،
قالت له: لماذا لا يأتون في النهار؟ لماذا يتسترون بالظلام في مثل هذه العمليات؟
أيقظ هدير السيارة الطفل الذي عمره سبع سنوات، فتح عينيه في ظلام الغرفة وظل ساكنا. كان لغطهم، في الخارج قد بدأ يعطي علامة على أنهم سيتحركون الآن. هدير السيارة توقف. الذين أطلوا من خلال الظلام على الشارع، رأوا السيارة الكبيرة تطفئ أنوارها .
في الغرفة الصغيرة تتردد أنفاس الثلاثة منتظمة. بدأ يفكر ماذا سيفعل، وكان اللغط مستمرا في الخارج، والذين كانوا يطلون من فجوة النافذة رأوا سيجارة يشعلها أحد ركاب السيارة .
الآن عرف الجميع أنهم قد تحركوا، فقد سمعوا صوت الأحذية الثقيلة تضرب الرصيف. الذين كانوا يطلون من النافذة متسترين بالليل، رأوا أصحاب السيارة الكبيرة قد انقسموا أربعة هم في الطريق وثلاثة آخرون ظلوا داخل السيارة. اثنان منهم كانا يدخنان. قال الرجل: الأفضل أن ألبس الجلاب. قالت المرأة : ضع تحتها معطف الصوف. قال الولد الصغير: خذ معك جميع مسدساتي، إنني لا أريدها الآن. قال الأب : لا ... دع لك مسدساتك. قال الولد : ستشتري لي غيرها في عاشوراء. قالت الأم: إنهم قادمون، ارتد ملابسك بسرعة. قال الطفل : يكذبون علينا في المدرسة. قالت الأم: هل سيعذبونك ؟ قال الرجل : إنهم لا يتشاورون في هذا الأمر .
كان الأربعة قد وقفوا الآن أمام باب العمارة تماما، رفعوا عيونهم إلى النوافذ، كان أحدهم يتحدث، ضحك الثلاثة الآخرون، بكى الطفل الصغير. قال الرجل : ألم تقل لي إنك لن تبكي؟ لم تقل المرأة شيئا، كانت قد جلست في السرير، وكان الظلام يخفي عيونها.
رأى الذين كانوا يطلون من النافذة أن أربعة تقدموا الآن إلى العمارة، هاهم يدخلون، بدأت أقدامهم على الدرج تعطي الصدى. أطل الرجل. قال لزوجته: إنها فاركونيت. قال الطفل: إني أرى كثيرا منها قرب المدرسة. قالت المرأة: هل ستفتح لهم الباب؟ قال : نعم. هل ستطلب منهم مذكرة اعتقال؟ قال: إنهم لا يعطون في العادة أي تقرير عن عملهم. قال الطفل: هل سأذهب في الصباح إلى المدرسة؟ قال الرجل: نعم بالطبع. قالت المرأة: هل أخبرهم في العمل؟
قال الرجل: نعم ، أخبري لطيف وحسن، لا تحاولي أبدا أن تكلفي محاميا بالقضية، المحامون لا يفعلون شيئا في الحقيقة. تساءلت المرأة: سيسمحون لي بزيارتك ؟
قال الرجل: سيقولون إنهم لا يعرفون شيئا.
وكانت الخطوات تترك صدى مزعجا على الدرج. كان الرجل قد أكمل الآن ارتداء ملابسه. أشعل سيجارة في الظلام.
قالت المرأة بصوت مختنق: هل نضيء النور؟ قال الرجل الأحسن أن لا نفعل حتى يطرقوا الباب. قال الطفل بصوت مختنق: إنني خائف. اقترب منه الرجل، أخذه من سريره الصغير، وضعه إلى جانب أمه. خيل لساكني العمارة أن أبوابهم كلها بدأ ينهال عليها الطرق.
لم تعد تسمع أصوات الأحذية على الدرج، لكن صمت الليل كان ينقل أصوات حوار تتخلله حركات عنف...الذين كانوا لا يزالون يطلون على الشارع رأوا سكيرا قادما يترنح. أخذ السكير يغني: الزربية المغربية فلعالم كلو مشهورة.
تجاوز السكير سيارة الفاركونيت التي كانت مطفأة الأضواء ... السكير لم يلاحظ أن ثلاثة يوجدون بسيارة الفاركونيت . توقف قرب الحائط وعاد يردد نفس مقطعه: الزربية المغربية فلعالم كلو مشهورة أولا يلاه. بدأت الأقدام تتردد على الدرج من جديد. وفي الشارع أحست الكلاب التي كانت تبحث في قمامات الأزبال بحركة الأقدام والأصوات فأخذت تنبح.قالت المرأة وهي تتنهد : ربي يأخذ حقنا منهم.
قال الرجل : اسكتي، لم تعد الأقدام بعيدة عن الباب.
قال الطفل: سأقول للأولاد في المدرسة. لقد قال لنا عزيز أنهم أخذوا أباه أيضا .
هدرت السيارة من جديد. ركب الآن خمسة من الناس، الأربعة الذين صعدوا إلى العمارة ومعهم آخر. رأى ذلك الذين كانوا يطلون من نافذة العمارة المقابلة. أشعل النور في بيت بالعمارة ... عاد الرجل ليجلس على حافة السرير قريبا من زوجته ومن ابنه. قالت له: أسمع بكاء آتيا من فوق. قال لها: نعم، انهضي الآن واذهبي إلى أمينة ... لقد أخذوا زوجها عبد الله. كان دوره هذه المرة .
وانطلقت سيارة الفاركونيت من غير أن تشعل أضواءها.