بسم الله الرحمن الرحيم
الفراق ( يحيي )
يا لك من وحش !!!!
قالتها وهي تبكي في حجرتها مر البكاء ، هي كذلك دائماً تحمل على كاهلها همومها وحدها ثم في وحدةٍ وعزلةٍ تفك أسر دموعها المحبوسة دون أنْ يراها أحد .
تلك المرة كان الهم أكبر من أنْ يُحتمل ، حزنها لفقدانها لا يعادله أي حزن فهي رفيقة الدرب صاحبة العمر .
قبل عام من الآن كانتا في شغلٍ شاغل فلقد اقترب موعد زفاف صديقتها كانت معها يدها بيديها في كل شيء ، شراء مستلزمات المنزل وانتقاء ملابس العرس وحتى فستان الفرح ، الفرح الذي جاء في موعده ليتوج أجمل قصة حب عرفتها أو حتى سَمعت بها .
كانت العروس ملكة الحفل أما هي فلاحت كإحدى أميرات الحواديت ، لفتت أنظار الجميع ليس بجمال مظهرها وأناقتها وإنما بالفرحةِ المطلة من عينيها والتي زادت من إشراق وجهها .
سعدت لسعادة صاحبتها وتوجت سعادتها حين أخبرتها صديقتها بنبأ حملها فظلت إلى جوارها تعد الأيام وتحصيها وترقب التغيرات التي تطرأ عليها شيئاً فشيئاً ، اختارا الأسماء وانتقيتا ملابس الصغير ، ظلتا في حالةِ ترقبٍ وانتظار وشوق حتى حانت اللحظة الحاسمة .
اتصل بها الزوج الشاب يخبرها فهرولت نحو عيادة الطبيب على الفور لتنضم للزوج والأم التي هي وحيدتها .
جلسوا خارج حجرة الولادة ولكنها لم تحتمل صراخ صاحبتها فحرجت تدور وتلف حول المبنى وبين حين وأخر تصعد لتستطلع أو تسأل أي أحد خارج من المبنى هل سمع بكاء وليد !!
وفي أحد المرات صعدت هي فسمعت بنفسها بكاء الوليد فتهللت فرحة ، وانتظرت خروج الطبيب ليبشرهم ولكنه لم يخرج ، انتظرت الممرضة لتأخذ بشرى المولود فلم تأتِ ، وبعد وقت ليس بقليل خرج الطبيب وقد فاض بها كيل الانتظار تتبعه الممرضة تحمل الوليد وعلى لسانه كلمتين لا غير : البقاء لله .
تعلقت عيونهم به وقد صدمتهم الكلمة لدرجة شعرت معها بأنها عاجزة عن التنفس.
انهارت الأم فاقدة الوعي ، سقط الزوج على مقعده والدموع تتساقط شلالاً من عينيه .
أمسكت بالصغير الذي اعطته إياها الممرضة التي انشغلت مع طبيبها في اسعاف أم صديقتها .
نظرت إلى الطفل وهي لا تعرف ماذا تفعل ؟ رمقته طويلاً وهي تقول في نفسها : انتظرناك طويلاً لم نكن نعلم أنك جئت لتأخذها .
مرَّ عليهم الوقت ثقيلاً ، الصدمة جعلت كل شيء كمن أصيب بالشلل .
وقفت أمام قبرها وهي تحمل في يديها وليدها غير مصدقة أنه جاء عليها يوماً تكلم فيه صاحبتها ولا ترد عليها ، تحدثها وبينهما ساترا وحجاب .
كانتا بالأمس قد استقرتا على اسم المولود ، كانت أمه تريد أن تسميه ( باسم ) في حين أرادت هي تسميته ( بسام ) ، ولما اشتد الخلاف انتظرتا عودة الزوج ليحسم رأيه خلافهما فاختار معها اسم ( بسام ) على حساب زوجته التي رضخت وقالت وهي تضحك : كلها ابتسامات .
ها قد ذهبت دون حتى أن تراه .
كان لابد وأن تبقى متماسكة فمن للصغير دونها ؟ الأم ماتت والجدة أشلتها الصدمة والزوج في حالٍ يرثى لها إنها حبيبة عمره التى سعى لأجلها كثيراً ، سافر وتحمل الاغتراب لأجل أن يكون إلى جوارها وفي حضنها ، ها هي تذهب فجأة دون وداع ، كانا قبل عام معاً يتبادلان العهود ويبرمان أصدق عقد يمكن لأحد إبرامه ، ضاعت سعادته في لحظة .
لقد قضى إلى جوارها عاما بالعمر بأكمله هناءً وسعادة ، راحة واطمئنان ، دفء وحنان وحب ، لوعة فراقها أكبر من أن يحتمل .
لذا كان عليها أن تقف كما الجبل صامداً ، لم تبكِ ، لم تنهار صمدت لأجل الصغير ، لم يكن له سواها حتى يفيق الأب والجدة مما أصابهما ، بقت معه أخذته لبيتها ترعاه ، حملت ملابسه وحاجياته معها ليسكن حضنها وبيتها .
تمنت في لحظة وهي تتأمل نفسها لو كانت زوجة ومرضع حتى ترضع الوليد بدلا من الألبان الجافة التي تملأ أرفف الصيدليات ، أول مرة تشعر أن ثدييها ليس لهما قيمة تذكر .
أسمت الطفل ( يحيي ) فلقد جاء ليحيا على أنقاض أم اختطفها الموت عنت حياته رحيلها . مضت بها الأيام وهي إلى جواره اعتبرت نفسها أمه تسهر به ، تحمل أوساخه ، تؤكله ، ترعاه ، تنام إذا نام ، وتصحو إذا صحا ، تذهب به كل يوم لأبيه وجدته وتضع أمامه صورة أمه كل يوم ليتطلع إلى وجهها منذ أن تفتحت عيناه ليعلم أنها أمه ، إنها هي من ولدته .
وجاء يوم أتاها أبوه ، جاء يأخذه ويشكر لها صنيعها كان لابد وأن يأخذه ، مدت يديها به إليه وهي تنحني عليه تقبله فإذا بوجه صديقتها يحل محل وجه الصغير كانت تبتسم لها ، في تلك اللحظة أطلقت لمشاعرها العنان وتركت دموعها تنساب وهي تصرخ في الموت : يا لك من وحش !!!!
رباب كساب