الواقعية التي أوقعتني ؟
عندما التقينا صدفة ، كما يلتقي الغرباء في بلاد الغربة ، وهذا عادة ما يكون ، في الأماكن العامة
مقهى ـ أوفي المكتبات ، أو محلات بيع الصحف ، حسب الأتهمامات المحفزة والدافعة للبشر
غالبا مايشد الغرباء بعضهم لبعض اللغة ، تجذب اللغة كمغناطيس ، تلفت الانتباه ، تلوي العنق وخاصة في بلاد المهجر ، وبهذا تشكل اللغة محفزا وعامل جذب .
سألني وهو يتجول ويتفحص الصحف العربية بحثا عن صحيفته المفضلة .
ـ هل الأخ من بني يعرب ؟
ـ نعم زكريا السقال من سوريا .
ـ ناعس ابن نائم من رمضاء .
كان وقع الاسم علي كبيرا وثقيلا ، بل يثيرك هذا الاسم ، تركيبه ، مضامينه ، تداوله ، أسم يعيد لتاريخ بعيد وطويل ، تاريخ القبائل والأفخاذ العربية ، ولكن ما الذي يفعله ناعس ابن نائم هنا ؟
خيل لي إن الرجل يمزح ويريد مدخلا لتجاذب الحديث والتعرف ، فقلت ممازحا
ـ من تغلب أم ربيعة ، أم وائل ، تغلب ، أم قضاعة ؟
أجاب بجدية تامة
ـ من هَدهَدَ .
لم أسمع بهذه القبيلة ضمن مطالعتي المتواضعة للتاريخ العربي ، ولكنني قلت وماذا يعني ، أنني لست الأصمعي ، ولا خلف الأحمر ولا الكلبي ، الذين جابوا مناطق كثيرة من أجل جمع الشعر والخطاب العربي . وأدرك الرجل ما يدور برأسي ففرد شفتيه مبتسما وقال .
ـ لا تستغرب، ما رأيك أن نحتسي القهوة سويا وافقت بدوري على الفور فقد أثارني الرجل وحرك فضولي.
جلسنا في إحدى المقاهي ، بادرت لطلب القهوة وأنا متشوق لأعرف ما قصة ناعس وقصة الاسم الذي أثارني ، ولغته التي حفزتني وأربكتني .
قلت مبتسما ـ أتدري يا سيدي أن اسمك غريب وملفت للنظر ، أتمزح أنت يا سيدي ؟
ـ أبدا إنا لا أمزح ، فأنا من هواة الواقعية العربية ، درستها ، و روضتني ، وأوقعتني ، وطرحتني أرضا ، وطبقت على أنفاسي ، وها أنا أحاول تطبيقها وممارستها على نفسي وأسرتي ومحيطي
وكما ترى فأنا ناعس ابن نائم، أحد أفخاذ حي ابن يقظان وأطفالي أسماؤهم أيضا
الساهي ابن غفلة ، طَمأنَ ابن راقد ، سالك ابن هارب ، ونس ابن عاهر ، لَصلَص ابن سارق
ـ خيل لي الرجل معتوه وقلت بين الجد والمزح .
ـ ماذا تقول يا رجل ؟
أجابني محتدا .
ـ وهل ترى غير هذا في رمضاء ، انظر ، تفحص ، دقق ، من رمضاء إلى خنث ، هَرة ، مبطوح ، سَفلَ ، طأطأ ، سُحَيلب ، رَفسَ ، .
قلت ـ من هذه القبائل ؟
قال ـ القبائل العربية ، الدول العربية إذا شئت الدقة أتريد في هذا الزمن الذي يقطر ذلا وهوانا ، أن أسمي الواقد ، والقعقاع ، والواثب ، والواهب ، والأمين والمأمون ، وابن حزم ، هذا ليس من الواقعية بشيء .
قلت ـ أهذه الواقعية التي درستها ؟
قال ضاحكا ـ قلت لي أن اسمك... محمد زكريا السقال ؟
ـ أترى أنك محمود أم مجلود ، أترى أنك سقال أم مسقول أو مسط ... وبلع الكلمة .
أطرقت مليا ، اخو ,, الشليتة ,, حقا انه واقعي ورشفت فنجاني مرا .