تقدیم:
ظل المجتمع المغربي طیلة القرن 19 مجتمعا تقلیدیا أفرزتھ بنیة اقتصادیة وسیاسیة عتیقة، عكس ذلك كانت المجتمعات الأوربیة الرأسمالیة قد
وصلت إلى مرحلة جدیدة من التفوق العسكري والإقتصادي، من ھنا كان مصیر المغرب أن یتعرض لضغوطات أوربیة لفتح أسواقھ والتخلي عن
1894 قد حاولا القیام بإصلاحات - 1859 ثم المولى الحسن الأول 1873 - أجزاء من ترابھ، إذا كان السلطان المولى عبد الرحمان ابن ھشام 1822
لتفادي الضعف وتحدیث البلاد، فإن القوى الأوربیة ستعمل في اتجاه معاكس للنیل من السیادة المغربیة.
1/ استعملت الدول الأوربیة ضغوطا عسكریة واقتصادیة لفتح السوق المغربي
1.1 / الضغوط العسكریة :
أ) ھزیمة إسلي وتعریة الواقع العسكري المغربي الضعیف : تأثر المغرب كثیرا لإحتلال الجزائر، وقد أمد السلطان الأمیر عبد القادر
بكافة المساعدات الشيء الذي لم تكن فرنسا راضیة عنھ، فقامت بإحتلال وجدة وقنبلة الموانئ المغربیة، وعندما أرسل السلطان ابنھ سیدي محمد
لتقصي الحقائق في الجھات الشرقیة اعتبرت فرنسا ذلك بمثابة إعلان للحرب، فھاجمت جیوشھا محلة سیدي محمد قرب واد إسلي یوم 14 غشت
1844 وأفضت ھذه المعركة إلى توقیع معاھدة طنجة شتنبر 1844 والتي أكدت على تخلي السلطان عن تقدیم أیة مساعدة للأمیر عبد القادر
وجاء في البند 5 من ھده المعاھدة ((....الإبقاء على الحدود كما كانت عھد الأتراك إلى أن یتم الإتفاق في شانھا من بعد...)) ولھذا الغرض
اجتمعت لجنة مغربیة فرنسیة في منطقة للامغنیة یوم 18 مارس 1845 لتعیین الحدود بین المغرب والجزائر. لقد اقتطعت ھذه المعاھدة أجزاء
من التراب المغربي وتركت الحدود الشرقیة غامضة، كما شكلت مشروعا لبدایة التسرب الفرنسي في التراب المغربي، والسلطان المولى عبد
الرحمان سیرفض التحدید الذي جاء في المعاھدة لاعتبارات متعددة.
ب) معركة تطوان وبدایة الاطماع الاستعماریة الاسبانیة : ظلت إسبانیا خلال النصف الأول من القرن 19 تبحث عن انتصار عسكري على
المغرب یمكنھا من الحصول على إمتیازات، ستستغل حادثة قرب حدود سبتھ لتزحف بجیوشھا على تطوان یوم 6 فبرایر 1860 وكبدت القوات
الاسبانیة المغرب ھزیمة ثانیة، وأمام التدخلات الإنجلیزیة یتم توقیع معاھدة تطوان أبریل 1860 والتي تمكنت من خلالھا أسبانیا من توسیع نفودھا
في المناطق الشمالیة للمغرب، كما حصلت على مراكز للصید في السواحل المغربیة الجنوبیة، بل إن أسبانیا ستفرض على المغرب غرامة ضخمة
اضطر المغرب معھا إلى إفراغ بیت المال والتنازل لأسبانیا ولمدة 24 سنة عن نصف مد خول الجمارك، والإقتراض من إنجلترا مقابل نصف مد
خول الجمارك المتبقي لتغطیة الغرامة الأسبانیة.
ج) بدایة التسرب الاستعماري : لقد مكنت الانتصارات السابقة من تأكید التفوق العسكري لأوربا، حیث بدأت إسبانیا وفرنسا في تنفیذ
مشروعھما الإستعماري بالمغرب، فإسبانیا ستتوسع في المناطق الجنوبیة بحیث تحتل سیدي إفني، ومنھ ستتوسع في إتجاه السواحل السوسیة، وفي
شمال المغرب توسع أسبانیا ممتلكاتھا على حساب المناطق المجاورة لسبتھ. فرنسا بدورھا تستغل الغموض الوارد- والمقصود- في إتفاقیة للاماغنیة
لتحتل المناطق الشرقیة للمغرب، وكانت فرنسا تسعى إلى ربط مستعمراتھا في السنغال والجزائر بخط سكة یمر عبر الأراضي المغربیة.
السلطان المولى الحسن الأول والقبائل المغربیة لم یقفوا مكتوفي الأیدي، بل نجد السلطان یتنقل إلى كل تلك المناطق، كما نجد القبائل تحاول
صد محاولات ھذا التوسع، لكن الفعالیة العسكریة المغربیة كانت قد انتھت منذ زمان.
2.1 / الضغوط الدبلوماسیة :
أ) المعاھدة المغربیة الإنجلیزیة وبدایة الامتیازات الأجنبیة بالمغرب : ظلت إنجلترا تتخوف من تزاید العلاقات القاریة بین فرنسا والمغرب
وتبحث عن امتیازات لصالح التجار الإنجلیز، وبعد اتصالات متعددة للقنصل الإنجلیزي دریموند ھاي بالسلطان المغربي یتم توقیع معاھدة سنة 1856
وركزت المعاھدة على جانبین جانب قانوني ویتمثل في حمایة السلطان للتجار الإنجلیز وحقھم في التنقل والملكیة وكذلك حق القنصل الإنجلیزي في
التشریع أثناء النزاعات التي یكون أحد طرفیھا إنجلیزیا. جانب تجاري ویتمثل في تحدید الرسوم على الواردات ب 10 % من قیمة السلعة
والصادرات ب 3 %. .إن الخطیر في ھذه المعاھدة أنھا نصت في النھایة على أن الإمتیازات الممنوحة للإنجلیز تنتقل مباشرة إلى رعایا كل الدول
الأوربیة، وھذا ما یفسر كون إسبانیا وھي الدولة الضعیفة في أوربا ستعمل على انتزاع امتیازات من المغرب.
ب)المعاھدة المغربیة الفرنسیة وبدایة الحمایة القنصلیة : كانت فرنسا مدفوعة لتوقیع ھذه المعاھدة وذلك لتوطید نفوذھا بالمغرب ولتلبیة
حاجة رجال الصناعة والتجار بفرنسا، ووقعت المعاھدة في غشت 1863 ، تحمل المعاھدة مخاطر جسیمة بالنسبة للمغرب. تتمحور بنود المعاھدة
حول مسالة المحمیین و ھم المستخدمون المسلمون والیھود عند التجار أو الدبلوماسیین الفرنسیین، یتمیزون بكونھم معفیین من الضرائب والقضاء
المغربي، لكن في نفس الوقت لھم جمیع الحقوق التي للمغاربة وقد عبر السلطان المولى الحسن الأول عن ھذا المشكل بقولھ (( إن إدارتنا لم تكاد تجد
في البلاد من ھو باق تجث سلطانھا من كثرة ما منحتھ الدول الأجنبیة من حمایات غیر مشروعة )) . لقد أصبحت الحمایة القنصلیة حاجزا أمام أي
إصلاح، و طرح المولى الحسن الأول ھذا المشكل على النواب الأجانب في طنجة والذین أحالوه على مؤتمر دولي یعقد خارج المغرب، وھذا یعني
تدویل القضیة المغربیة.
ج) مؤتمر مدرید وبدایة تدویل القضیة المغربیة : لقد أشرنا سابقا إلى كون المولى الحسن الأول قد طرح مشكل الحمایات على نواب الدول
الأوربیة بطنجة، وسیبعث بعدة سفارات إلى أوربا لشرح ھذا المشكل، وعلى ھذا الأساس سیتم إدراج قضیة المغرب في جدول أعمال مؤتمر مدرید
یولیوز 1880 . حضر المغرب المؤتمر وھو یحمل مطلبین وضعیة المخالطین إلى جانب القضاء القنصلي. المؤتمر لم یوافق على المطالب المغربیة
بل سیعترف رسمیا بالحمایة القنصلیة ویعممھا على كل الدول الأوربیة، والأخطر من ذلك أن إدراج قضیة المغرب ضمن أشغال مؤتمر دولي یعني
في العمق أن البلاد أصبحت تعیش تحث الوصایة الأجنبیة. بالفعل فالمتأمل في أحدات المغرب خلال ھذه الفترة یلاحظ أن ما یقع بالمغرب یتم
تقریره في أوربا، فالدول الأوربیة ستستمر في انتزاع الامتیازات من السلطان المغربي، فألمانیا ستحصل سنة 1890 على حق شراء القمح، وأسبانیا
ستوسع من مستعمراتھا شمال المغرب على حساب القبائل الریفیة.
إن الأحداث السابقة من ھزائم عسكریة واتفاقیات اقتصادیة وانتشار الحمایات القنصلیة غیرت جذریا العلاقات المغربیة الأوربیة وأدخلت
المغرب مرحلة أصبح من الصعب الرجوع معھا إلى سیاسة الإحتراز نظرا لإستقرار الموظفین الأسبان بالموانئ المغربیة و إنغراس شبكة قنصلیة
وتجاریة أوربیة بالمدن ا لمغربیة.
2/ قام المخزن المغربي بإصلاحات لتحدیث البلاد
1.2 / الاصلاحات العسكریة :
قبل معركة اسلي كان الجیش المغربي في تنظیمھ وتقنیاتھ وتداریبھ مرتبطا بالدولة العثمانیة، لكن ھزیمة اسلي أبانت عن ضعف ھذا الجیش،
لھذا نجد السلطان سیدي محمد ابن عبد الرحمان یولي إھتماما كبیرا للجانب العسكري بإدخال التنظیمات الأوربیة، وفي عھد الحسن الأول تم تكوین
جیش نظامي كما أرسلت بعثاث عسكریة للخارج، واستقدم السلطان أطرا أجنبیة لتكوین وتدریب الجیش المغربي، كما أدخلت الأسلحة الإنجلیزیة و
الألمانیة وبنیت معامل للأسلحة بفاس. ھذا الإصلاح كلف المغرب أموالا ضخمة مقابل مردودیة ضئیلة، فالبعثات سواء العسكریة أو المدنیة لم تتم
الإستفادة منھا ومعامل الأسلحة ظل إنتاجھا ردیئا وضعیفا.
2.2 / الإصلاحات الإداریة والمالیة :
أستھدف الإصلاح الإداري ضبط مداخیل الدولة والقضاء على الإستبداد و تنظیم جھاز الدولة، فقد إستحدتث وزارات جدیدة كوزارة البحر و
الحربیة و الشكایات، كما تم تعیین أمناء في المراسي لجبایة الضرائب ومستحقات الجمارك، وعین موظفون لجمع الجبایات بالمدن وتسییر مالیة
الأقالیم، الإصلاح الإداري تطلب إحداث أجور لھؤلاء الأمناء، الأمر الذي كان من غیر الممكن في ظل الأزمة المالیة الخانقة التي یعرفھا المغرب.
الإصلاح المالي توجھ نحو إصلاح النقد والضرائب، فمن المعلوم أن غرامة تطوان أفرغت بیت المال، أضف إلى ذلك التھریب الذي كانت
تتعرض لھ العملة المغربیة والتزویر... كل ھذا أفضى إلى انخفاض في قیمتھا، ھذا ما سیدفع بالسلطان المولى الحسن الأول إلى سك عملة جدیدة
فرضھا في المعاملات التجاریة، بالنسبة للضرائب فإلى جانب الزكاة والأعشار كانت ھناك ضرائب غیر شرعیة مثل المكوس، لقد أصبحت
الضرائب تدفع نقدا كما ظلت قیمتھا تختلف حسب ظروف البلاد..إن الإصلاح المالي كان من الصعب نجاحھ، فالعملة المغربیة ستستمر في
الإنخفاض مادامت البضائع الأجنبیة تغرق السوق المغربي كما أن الضرائب لم یكن دائما مضمون ا جبایتھا.
3.2 / الإصلاحات الاقتصادیة :
الحقیقة أن ملوك تلك الفترة كانوا على علم بالتحولات الاقتصادیة الحاصلة في أوربا وحاولوا جعل المغرب یلتحق بركب تلك الدول، نرى ذلك
من خلال مجھود السلطان سیدي محمد ابن عبد الرحمان، لقد حاول جعل المغرب دولة صناعیة، في ھذا الإطار أسس معامل للسكر والنسیج والورق
وشجع الزراعات المرتبطة بھذه الصناعة، كما اشترى الآلات وكون الأطر، من بعده سیتابع المولى الحسن الأول ھذا المشروع الكبیر...
الإصلاح الاقتصادي كلف المخزن الكثیر من المال والجھد، في نفس الوقت لم تكن الحصیلة في مستوى المجھود، فالأزمة المالیة
والضغوطات الأجنبیة ساھمت في إفشال ھذا المشروع، .إصلاحات أخرى مست التعلیم والتجارة... لكنھا في النھایة لم تحول دون القدر المحتوم الذي
كان ینتظر المغرب، أي فقد الإستغلال.