آمنت بالله ! ..
آمنت بالإسلام ! ..
آمنت بالقرآن ! ..
آمنت بأن الله الذي أنزل المعجزة على رسوله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، هو الذي صنع المعجزات الكبرى في تاريخ الإسلام ! ..
في خلال ما لا يزيد عن أربعين عاماً من بدء نزول الوحي على :
محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم في غار حراء بمكة ؛ كان الإسلام قد طوى – تحت سنابكه – أعظم إمبراطورية عرفها التاريخ ؛ وهي الإمبراطورية الفارسية ، واستولى على أملاك الإمبراطورية الثانية وهي الإمبراطورية الرومانية الشرقية ؛ ففتح مصر والشام وليبيا والمعرب كله ، واجتاح سهول آسيا الصغرى ، ووقف على أبواب العاصمة الرومانية « بيزنطة » التي لم يبق لها إلا أجزاء قليلة في أوروبا على شاطئ البحر الأسود والبحر الأبيض .
انظروا أيها الأخوة :
يا ورثة الإسلام .. يا أبناء الأولين الفاتحين ..
انظروا إلى الدين : كيف بدأ ؟! وإلى أي شيء آل أمره ؟!
يروي عفيف بن قيس الكندي ، فيقول :
« كنت في الجاهلية عطاراً ، فقدمت مكة ، فنزلت على العباس بن عبد المطلب ، فبينما أنا جالس عنده ، أنظر إلى الكعبة ، وقد تحلقت الشمس في السماء .. أقبل شاب كأن في وجهه القمر ، حتى رمى ببصره إلى السماء ، فنظر إلى الشمس ساعة .. ثم أقبل حتى دنا من الكعبة ، فصفّ قدميه حتى يصلي .. فخرج على أثره فتى كأن وجهه صفيحة يمانية ، فقام عن يمينه ..
فجاءت امرأة متلففة في ثيابها ، فقامت خلفهما ..
فأهوى الشاب راكعاً ، فركعا معه ..
ثم أهوى إلى الأرض ساجداً ، فسجدا معه ..
فقلت للعباس : يا أبا الفضل : أمر عظيم !
فقال : أمر – والله – عظيم .. أتدري من هذا الشاب ؟
قلت : لا ! قال : هذا ابن أخي : محمد بن عبد الله .. أتدري من هذا الفتى ؟!
قلت : لا ! قال : هذا ابن أخي : علي بن أبي طالب .. أتدري من هذه المرأة ؟!
قلت : لا ! قال : هذه ابنة خويلد : هذه خديجة زوج محمد هذا .. وإن محمداً هذا يذكر أن إلهه : إله في السماء والأرض ، أمره بهذا الدين .. فهو عليه كما ترى ، ويزعم أنه نبي !
وقد صدّقه على قوله عليّ ابن عمه هذا الفتى ، وزوجه خديجة هذه المرأة .. » .
هذه هي أول صورة للإسلام في بدء أمره ..
أما الصورة الثانية ؛ فهي ما يرويه المؤرخ الكبير الحافظ « أبو الفداء » في تاريخه ، يصف عظمة خلافة الإسلام في بغداد عام 305 ، وسفراء قيصر الروم يدخلونها ، حاملين رسالة من ملكهم ؛ إلى الخليفة العباسي : المقتدر بالله .
يقول أبو الفداء ، في الموكب الرسمي ، الذي ساروا فيه إلى قصر الخليفة ، وما كان عليه القصر من عظمة :
« قدم رسل ملك الروم إلى بغداد ، فلما استحضروا عبئت لهم العساكر ، وصفّت الدار – قصر الخلافة – بالأسلحة وأنواع الزينة ..
وكان العسكر المصفوفون – حينئذٍ – مائة ألف وستين ألفاً ؛ ما بين راكب وواقف !
ووقف الغلمان ذو الزينة الباهرة ، والمناطق المحلاة ..
ووقف الخدام بذلك ، وكانوا سبعة آلاف : أربعة آلاف خادم أبيض ، وثلاثة آلاف خادم أسود !
ووقف الحجاب كذلك ؛ وهم حينئذٍ سبعمائة حاجب بأعظم زينة ..
وزينت دار الخلافة ؛ فكانت الستور المعلقة عليها ، ثمانية وثلاثين ألف ستر ؛ منها اثنا عشر ألفاً وخمسمائة من الديباج المذهب .. وكانت البسط اثنتين وعشرين ألفاً .. وكان هناك مائة سبع ، مع مائة سبّاع .. وكان من جملة الزينة شجرة من ذهب وفضة ..
وشاهد الرسل من العظمة ما يطول شرحه !
وأُحضروا بين يدي : المقتدر .. وصار الوزير يبلغ كلامهم إلى الخليفة ، ويرد الجواب عن الخليفة .. »
سبحان الله ! ماذا حدث ؟ وكيف كان ذلك ؟!
إنه الإسلام ! إنه القرآن ! إنها المعجزة من السماء !
لا شيء !
لا سبب !
لا أمر نعلل به هذه الظواهر الفذة في تاريخ الإنسان والحضارة ؛ إلا سبباً واحداً : هو أن الإسلام والقرآن ، وهذا الدين العظيم ، خرّج للناس طبقات جديدة من المسلمين : كانوا هم النموذج الأكمل للإنسانية على ظهر الأرض !
النموذج العظيم ، الذي لم يرى التاريخ له مثيلاً ..
النموذج الرفيع الذي بنى قواعد الدين والملك والثقافة والحضارة في دولة الإسلام ، وفي العالم كله على أسمى وأنبل وأطهر دعامة : من توحيد الله وعبادته ، ومن فضائل الإنسان الخيرة النبيلة في نفسه ، ومن الإنسانية المهذبة المطهرة التي بنت للحياة منارة رفيعة كانت هي دولة الإسلام .. وعقلاً حرّاً كريماً عظيماً كان هو المسلم .. ووجداناً حيّاً يزخر بأسمى مشاعر الحق والعدل والإحسان ، وهو : المجتمع الإسلامي الكبير ، الذي كان أهلاً لخلافة الله في الأرض ؛ فورّثه الله ملك العالمين .. وورثه الأرض ومن عليها .. وورثه الآخرة ونعيمها ..
إنه الإنسان المسلم الذي جلس إلى مائدة القرآن !
وتخلّق بأخلاق القرآن ! وتأدب بآداب الإسلام !
وكان رسوله : محمد صلى الله عليه وسلم خُلُقه القرآن !