تقدیم:
انتھت الحرب العالمیة الأولى مخلفة وراءھا مأساة إنسانیة عمیقة وعدیدة، لم تستتن لا الدول المنھزمة ولا الدول المنتصرة، ودخلت أوربا بعد ھذه الحرب
. مرحلة من التحولات السیاسیة والصعوبات الإقتصادیة، بحیث تغیرت الكثیر من الأنظمة في أوربا، وعرف النظام الإقتصادي الرأسمالي ھزة عنیفة سنة 1929
فما ھي مخلفات ھذه الحرب؟ وأیة تطورات سیاسیة و اقتصادیة مرت بھا أوربا بعد الحرب الأولى؟
1/ مخلفات الحرب العالمیة الأولى
1.1 / الخسائر البشریة والاقتصادیة :
سببت الحرب في نزیف دیمغرافي، إذ تجاوز عدد القتلى 10 ملایین یضاف إلیھم 5 ملایین ضحایا سوء التغذیة والحصار والأوبئة، خلفت الحرب 20
ملیون من المعطوبین وعددا كبیرا من الأرامل والیتامى، وانعكس ھدا الوضع على الھرم السكاني بارتفاع نسبة الشیوخ. اقتصادیا كانت الخسارة عامة بحیث
خربت المدن وأتلفت الأراضي الزراعیة ودمرت المعامل والقناطر والسكك، وتدنت نتیجة ذلك مؤشرات الإنتاج الإقتصادي واضطرت معھا أوربا إلى الاقتراض
من الولایات المتحدة الأمریكیة لمواجھة ھذا الوضع.
2.1 / النتائج السیاسیة :
ثلاث أشھر من ھجوم الولایات المتحدة الأمریكیة ودول الوفاق-الحلفاء- كانت كافیة لإنھیار الدول المركز، وبعد سكون الآلة الحربیة بدا التفكیر في السلم
وطرق تنظیمھ. في ھذا الإطار عقد مؤتمر السلام بقصر فرساي بباریس من ینایر إلى یونیو 1919 بحضور 27 دولة وفي غیاب الدول المنھزمة وروسیا. أنھى
المؤتمر أعمالھ بإرغام ألمانیا على توقیع معاھدة فرساي كما وقعت معاھدات أخرى مع حلفائھا.
المعاھدة الدولة المفروضة علیھا قرارات المعاھدة
فرساي ألمانیا
- اعتبار ألمانیا مسؤولة عن الحرب.
- اقتطاع منطقة الألزاس و اللورین لصالح فرنسا.
- تقلیص عدد جنودھا ومنعھا من التسلح ومن التجنید العسكري.
- دفع غرامة مالیة.
سان جرمان النمسا - تفكیك الإمبراطوریة بفصل النمسا عن ھنغاریا
- تفكیك الإمبراطوریة بإقرار حق القومیات داخل النمسا في تقریر مصیرھا.
نویي بلغاریا - تجزئتھا واقتطاع جزء من أراضیھا لصالح الدول المجاورة
لم تنحصر العواقب السیاسیة على المعاھدات، بل تلا الحرب سقوط عدة أنظمة سیاسیة كما في روسیا وألمانیا، في النمسا و ھنغاریا، وحصلت تغییرات
عمیقة في الخریطة السیاسیة لأوربا بظھور دول جدیدة واختفاء عدة إمبراطوریات، ولتفادي أزمات جدیدة قرر مؤتمر السلام بفرساي تكوین ھیئة دولیة لتنظیم
السلم والأمن العالمیین وھي عصبة الأمم كما جاء في البند 14 من برنامج الرئیس الأمریكي ولسن، وبالفعل خلقت ھذه العصبة وتمركزت أجھزتھا بجنیف ،طیلة
ھذه المعاھدات والتنظیمات تم تغییب المسائل القومیة والاقتصادیة الناجمة عن الحرب، كما أن المعاھدات والتعویضات لم ترض في نفس الوقت لا المنتصرین ولا
المنھزمین بل زرعت بدور أزمات وحروب مستقبلیة.
2/ التطورات الاقتصادیة والسیاسیة بأوربا ما بین الحربین
1.2 / التغییرات السیاسیة :
- في روسیا لم یصمد النظام القیصري كثیرا أمام قوة البلاشفة، إذ عصفت بھ ثورة أكتوبر 1917 ، وسیعمل البلاشفة بزعامة لینین على تحویل روسیا
إلى دولة اشتراكیة شیوعیة، ویتجلى ذلك من خلال المراسیم التي أعلنھا الحزب الشیوعي مباشرة بعد نجاح الثورة، ورغم الثورة المضادة للبلاشفة والتي سببت في
حرب أھلیة قتل خلالھا ملایین الروس، سینجح النظام الإشتراكي في روسیا، والتي أصبحت تعرف مند ذلك الحین بالإتحاد السوفیاتي.
- في فرنسا ستواجھ الدولة الفرنسیة صعوبات اقتصادیة عمیقة تمثلت في حالة التضخم و إنخفاض قیمة العملة وعدم إستقرار الأسعار، كما عم الفقر مناطق
عدیدة من البلاد، ولم تتمكن الكتلة الوطنیة والتي فازت في إنتخابات 1921 من تجاوز ھذه الصعوبات لھذا السبب عم البلاد جو من الإضطراب والفوضى واجھتھا
الحكومة الفرنسیة بالقمع و الاعتقال.
درس أوربا من نھایة الحرب العالمیة الأولى إلى أزمة 2 1929
- في إیطالیا لقد استنزفت الحرب قدرات ھذا البلد الذي أصبح غارقا في الدیون الخارجیة والاستیراد مما یفسر حالة التضخم وانھیار القدرة الشرائیة بفعل
انخفاض الأجور وكثرة البطالة، لھذا فالإحتجاجات واحتلال العمال للمعامل مظاھر ظلت تمیز شوارع المدن الكبرى في إیطالیا. ھذه الظروف سیستغلھا الحزب
الفاشي بزعامة بنیتو موسولوني للسیطرة على السلطة بالقوة بدعم من الجیش، وبذلك تتحول إیطالیا إلى دولة دیكتاتوریة.
- في ألمانیا ظل الألمان لا یعترفون بحكومة فیمار ویعتبرونھا حكومة في خدمة فرساي، وتقوت المعارضة ضدھا، خاصة من طرف الأحزاب الشیوعیة
الألمانیة، وبالفعل ستكسب ھذه الأحزاب الیساریة الرأي العام الألماني وتؤثر على الانتخابات التشریعیة، ھذه الأمور أثارت تخوفات الرأسمالیة الألمانیة والتي
ستمیل إلى الحزب الوطني الألماني – الحزب النازي - وتدعم زعیمھ أدولف ھتلر في الإنتخابات، وبالفعل سینجح الحزب النازي ویصبح ھتلر مستثارا للدولة ثم
بعد فترة یصبح رئیسا ومستشارا في نفس الوقت، وبالتالي یشرع في تحویل ألمانیا إلى دولة دیكتاتوریة، ویتخذ إجراءات سیكون لھا تأثیر مباشر وخطیر على السلم
العالمي.
2.2 / الأزمة الإقتصادیة العالمیة :
انطلقت الأزمة الإقتصادیة العالمیة من بورصة وول ستریت بنیویورك یوم الخمیس 24 أكتوبر 1929 ، وسرعان ما عمت كل أرجاء العالم الرأسمالي
وكل الدول المرتبطة بالدول الرأسمالیة مثل المستعمرات. فمنذ مطلع 1930 بدأت تظھر بوادر الأزمة في أوربا، وآلیات إنتفالھا من الولایات المتحدة الأمریكیة
ترجع إلى قیام الأبناك الأمریكیة بسحب رسامیلھا واستثماراتھا من أوربا وتوقیف الفروض و الإعانات التي كانت تقدمھا لأوربا وتبني الحمائیة الجمركیة اتجاه
الواردات من أوربا. أما في باقي العالم، وخاصة بالمستعمرات فالأزمة ستنتشر نتیجة عوامل تتمثل في :
- تراجع الطلب الأمریكي والأوربي على المواد الأولیة مما سیخلف انھیارا في الأسعار.
- إغراق أسواق المستعمرات بالمواد الفلاحیة والبضائع المصنعة مما أثر سلبا على المنتوج المحلي.
- إغلاق الأسواق الأوربیة والأمریكیة أمام بضائع المستعمرات مما أضر بفئات الفلاحین والعمال الذین تعرضوا للبؤس والفقر والھجرة.
. لقد أصبحت الأزمة عالمیة، لكن یجب استثناء الاتحاد السوفیاتي، فتبنیھ لسیاسة التخطیط وضعف ارتباطھ بالدول الرأسمالیة جعلھ في مأمن من أزمة 1929
خلفت الأزمة ملایین العاطلین من العمال المطرودین من المعامل ومن الفلاحین الذین فقدوا الأرض وھاجروا نحو المدن، من الموظفین الذین حرموا من
أجورھم ومناصبھم، وعمت مظاھر العنف والإجرام المجتمعات الرأسمالیة، وفقد المواطنون الثقة في الأنظمة الدیمقراطیة البرلمانیة، وستمیل جماھیر أوربا إلى
الأحزاب الیمینیة والیساریة المتطرفة.
إن ھذه المتغیرات في عالم ما بین الحرب كانت تنذر بموت سلام فرساي واقتراب شبح حرب كونیة ثانیة.
انتھى