درس المجال المغربي الموارد الطبیعیة والبشریة
تقدیم:
إن التنمیة الحقیقیة تنطلق من التدبیر المعقلن للموارد الطبیعیة والبشریة التي یزخر بھا أي مجال، و إذا كانت ھذه الموارد في المجال المغربي
تطرح مسبقا عدة إكرا ھات أمام عملیة التنمیة بمجتمعنا، فأن التحدیات المطلوب مواجھتھا في المغرب تتزاید و وثیرة التزاید ترتفع سرعتھا مع
متطلبات الاندماج في العولمة. كل ھذا یجعلنا نتساءل عن وضعیة الموارد الطبیعیة والبشریة وأشكال التدبیر.
1/ تفرضوضعیة الموارد الطبیعیة ببلادنا إتخاذ تدابیر معقلنة:
1.1 / تطرح الموارد الطبیعیة عدة إكراھات بالمغرب :
إمكانات فلیلة ومھددة: الموارد الطبیعیة بالمغرب محدودة، و تتعرض لاستغلال كثیف وغیر معقلن، مما یعرضھا للإستنزاف. أھم ھذه الموارد
تتجلى في:
- الماء : إن مشكل الجفاف والفحولة یطرحان عدة صعوبات تنمویة، فالتساقطات قلیل، والاحتیاطي المائي في تراجع، ومشكل التلوث
یتزاید.
- التربة : التربة في أغلب جھات المغرب فقیرة وغیر صالحة للزراعة و معرضة كذلك لعدة تھدیدات كالتعریة، الانجراف والتلوث...
- الغابة : المجال الغابوي في المغرب ضعیف والرصید الغابوي الحالي في تراجع بفعل عدة عوامل كالحرائق، الإجتتات، الرعي الغیر
المعقلن وتوسع المجالات الحضریة.
- الموارد البحریة : المجال الساحلي المغربي كبیر 3500 كلم، والتیارات البحریة بھ متنوعة، كل ھذا یمكن من ثرواث بحریة ضخمة
ومتنوعة؛ لكن مجالنا البحري بدوره یواجھ تھدیدات مصدرھا استنزاف الثروات البحریة وتخریب البیئة البحریة والتلوث...
- المعادن : متنوعة، لكن كمیاتھا قلیلة وتوجد في مناطق تجعلھا صعبة الاستغلال، أغلبھا تستغل في المحال الحرفي؛ نستثني الفوسفاط
فھو یشكل ثروة وطنیة ومصدر أساسي للتصنیع في المغرب.
- الطاقة : المغرب بلد ضعیف على مستوى الطاقة؛ فالفحم قد تم استنزافھ، البترول والغاز شبھ منعدمین، صحیح ھناك الصخور النفطیة،
لكن إكراھات مالیة وبیئیة وتقنیة تحول حالیا دون استغلالھا. في انتظار ذلك ھناك طاقات بدیلة تستغل بشكل محدود جدا كالطاقة الشمسیة
و الریحیة؛ ویبقى الحل ھو التوجھ نحو الطاقة النوویة.
توزیع غیر متوازن :
- الماء : بالنسبة للموارد المائیة السطحیة، تتركز أغلبھا في الجزء الشمالي والشمالي الغربي، بفضل كمیة التساقطات ووجود الأنھار
والأحواض النھریة، عكس ذلك في الجنوب والجنوب الشرقي یسود الجفاف نظرا لنذرة التساقطات و إرتفاع معدل القحولة والسخونة.
بالنسبة للمیاه الجوفیة، فمستوى الفرشات المائیة ینذر بالخطر؛ فقوة الإستغلال وندرة التساقطات أدیا إلى انخفاض في مستوى
الفرشة المائیة بعدة جھات بالمغرب، خاصة بالشرق والجھات الشمالیة الغربیة.
- الغابة : الغطاء النباتي الطبیعي بالمغرب متنوع بالمقارنة مع باقي دول شمال أفریقیا؛ یتكون من فصائل أشجار البلوط، الأرز،
الصنوبر، العرعار، الحلفاء والأشجار الشوكیة... المجال الغابوي في المغرب ینحصر في المناطق الرطبة، كالسواحل المتوسطیة
والسفوح الجبلیة الرطبة؛ في باقي المناطق وخاصة الجنوبیة والجنوبیة الشرقیة لا أنصادف سوى نباتات صحراویة شوكیة من فصیلة
السنط و الحلفا.
- الموارد البحریة : المغرب یمتلك واجھتین بحریتین، لھذا فالبحر في المغرب مصدر اقتصادي وباعث على الإنفتاح.
- المعادن والطاقات : الفوسفاط أھم مورد معدني في المغرب، یساھم في إنعاش الصادرات وخلق الصناعات وتنمیة الفلاحة. أغلب
المناجم نجدھا في الھضبة الوسطى وفي المناطق الصحراویة مثل بوكراع... القطاع المعدني بالمغرب یعاني من النذرة وتراجع الأسعار
العالمیة والمنافسة الأجنبیة. بالنسبة للطاقة ھناك مجھود كبیر في المغرب للحصول على الطاقة النوویة السلمیة بھدف إنتاج الكھرباء،
وھناك مجھودات لتطویر الطاقات المتجددة وتوسیع مناطق استعمالھا، خاصة في المجالات القرویة الصعبة الولوج.
.1 / یتجلى تدبیر الموارد الطبیعیة من خلال عدة تدخلات للدولة:
تدبیر الموارد الطبیعیة عملیة تشاركیھ بین الدولة والمواطنین، یتم ترسیخھا من خلال السلوكات الیومیة للمواطن إضافة إلى تدابیر تتخذھا الدولة.
تتمثل تدخلات الدولة في المغرب لتدبیر الموارد الطبیعیة في :
الماء التنقیب والتجمیع والتنقیة قانون الماء - المجلس الأعلى للماء حملات مستمرة للتوعیة و ترشید الاستعمال
التربة
الحواجز لمنع زحف الرمال -
التشجیر لمقاومة التعریة –
خلق المدرجات لمقاومة
إنجراف التربة
معھد الحسن الثاني للزراعة و البیطرة –
المدارس الفلاحیة
حملات موجھة إلى المجال القروي حول
الأسمدة والأدویة ومجالات وطرق استعمالھا
برامج تواصلیة مع الفلاح مثل الإرشاد
الفلاحي
الغابة التشجیر و التسییج – خلق
المحمیات
قوانین منع الرعي ومنع الصید – المندوبیة
السامیة للمیاه والغابات
التنبیھ إلى خطورة الحرائق على الغابة
والسكان – التحسیس بالدور الاقتصادي
والبیئي للغابة من خلال الإشھار والبرامج
والحملات
الثروة
البحریة
وضع مخطط لتنظیم الصید
البحري – توقیع اتفاقیات مع
الاتحاد الأوربي – التدخل
لمراقبة سفن الصید
ظھیر تنظیم الصید البحري –نظام الحصص
الراحة البیولوجیة – المعھد الوطني للدراسات
البحریة
حملات تحسیسیة حول الموارد البحریة –
التحسیس بأھمیة الراحة البیولوجیة في نمو
الثروة السمكیة
المعادن
والطاقة
التنقیب والبحث- توفیر
الحاجیات من الخارج -
إتفاقیات مع أوربا في مجال
الطاقة
قوانین لتشجیع الاستثمار في ھذه القطاعات
- مؤسسات للبحث والإنتاج في مجال الطاقات
المتجددة
التحسیس بضرورة ا لاقتصاد في الطاقة
2/ الموارد البشریة تحدیات التنمیة البشریة واشكال التدبیر:
1.2 / تطرح وضعیة الموارد البشریة عدة تحدیات:
أ) النمو السكاني : عرف وثیرة سریعة منذ الاستقلال؛ بحیث انتقل عدد الساكنة المغربیة من 11 ملیون نسمة سنة 1960 إلى 32 ملیون
نسمة حالیا؛ ورافق ھذا النمو دخول المغرب عھد المجتمع الحضري، فابتداء من 1994 أصبح سكان المجال الحضري بالمغرب یفوق
سكان المجال القروي، كما رافقھ تحول في البنیة العمریة للساكنة المغربیة، بحیث حصل تزاید في فئة الكبار- أي الفئة النشیطة - وھذا
من شانھ أن یزید في الطلب على الشغل. إن المؤشرات الدیمغرافیة في المغرب تعبر عن بدایة دخول المغرب مرحلة الإنتقال الدیمغرافي.
ب) توزیع السكان : الكثافة الوسطى بالمغرب ھي 36 نسمة في الكیلومتر مربع، ھذا المعدل لا یعكس الواقع، بحكم التباین بین المناطق
المغربیة من حیث الساكنة. على المستوى الوطني، نمیز بین منطقتین
- منطقة التكدس السكاني : تتمثل في الجھات الشمالیة والشمالیة الغربیة، الكثافة ھنا تفوق 30 ن/كلم مربع؛ بل تصل إلى 400
ن/كلم مربع كما ھو الحال في المدن الساحلیة الغربیة الكبرى؛ یرتبط ھذا التكدس بوجود مؤھلات طبیعیة واقتصادیة في تلك
الجھات.
- منطقة الفراغ السكاني : تتمثل في الجھات الشرقیة والجنوبیة، الكثافة ھنا تقل عن 30 ن/كلم مربع، بل تنخفض إلى أقل من
12 ن/كلم مربع كما ھو الحال في المناطق الصحراویة الداخلیة. على المستوى الجھوي، یوجد تفاوت كبیر بین الجھات الستة
عشر المكونة للتقسیم الجھوي بالمغرب فجھات مثل جھة الدار البیضاء الكبرى، وجھة سوس ماسة درعة جھة مراكش
تانسیفت الحوز تتجاوز كل واحدة منھم عتبة 3 م/ن، في حین نجد أن جھات مثل الجھات الثلاث المكونة للمناطق الصحراویة
لا یتجاوز مجموع ساكنتھا الملیون نسمة.
درس المجال المغربي الموارد الطبیعیة والبشریة 3
ج) النمو الحضري : عرفت ساكنة المدن المغربیة انطلاقا من تسعینات القرن الماضي تزایدا سریعا جعلھا تفوق ساكنة القرى؛ وارتبط
ھذا النمو الحضري بظھور شبكة من المدن، خاصة بالمناطق الساحلیة الأطلسیة، كما تضخمت مدن أخرى مثل الدار البیضاء ومراكش
والرباط، و اتسعت على حساب المجالات القرویة المجاورة لھا
د) السكان ومستوى التنمیة البشریة بالمغرب : مؤشر التنمیة البشریة بالمغرب ھو 0.631 وھذا ما یجعلنا نحتل المرتبة 124 عالمیا؛ ھذا
الوضع تفسره إكراھات ناجمة عن سرعة النمو السكاني، وبطء وثیرة نمو الاقتصاد، ھناك إكراھات تتحكم في مستوى التنمیة البشریة
بالمغرب، یمكن تصنیفھا في القضایا الخمس التالیة
- الشغل : عدد السكان النشیطین بالمغرب في تزاید سریع ومستمر خاصة بالمجال الحضري، وتتوزع الفئة العاملة بالمغرب
بشكل غیر متوازن، بحیث لا یزال القطاع الفلاحي یستقطب أغلبیة الید العاملة مع تزاید في نسبة القطاع الثالث، أما القطاع
الصناعي فلا تزال نسبة مساھمتھ في التشغیل ضعیفة؛ إن ھذه البنیة المھنیة تعكس خصائص الاقتصاد المغربي.
- البطالة : ارتفع عدد العاطلین عن العمل في المغرب إلى نحو 63 ألف عاطل، أي بزیادة قدرھا 5.1 % خلال سنة 2004
حیث انتقل عددھم من 1.233.000 إلى 1.296.000 عاطل خلال الفصل الثاني من سنة 2004 . وطال ھذا الارتفاع الوسطین
الحضري ب 38000 عاطل والقروي ب 25.000 . وھكذا سجل معدل البطالة على المستوى الوطني ارتفاعا بنسبة 0.4 % أي من
%11.2 إلى 11.6 % . وتمس البطالة بالأساس الشباب الذین تقل أعمارھم عن 35 عاما وحاملي الشھادات المتوسطة وھي:
شھادة التعلیم الأساسي ودبلوم التأھیل والتخصص المھني. إن البطالة بالمغرب تشكل مصدرا للھجرة ،وسببا في كل مظاھر
الیأس ومظھرا لسیاسة الإقصاء والتھمیش.
- التعلیم : رغم المجھود الكبیر الذي بدل في مجال التعلیم بالمغرب منذ الاستقلال، فأن التحدیات كانت أكبر من مجھود كل
الحكومات التي تعاقبت على تسییر الشأن السیاسي الوطني بالمغرب، أكید أن ھناك تحول بفضل برامج محاربة الأمیة ونشر
التعلیم بالعالم القروي، لكن إرث الماضي لازال حاضرا من خلال الأرقام والمعدلات، فأكثر من ثلث المغاربة أمي، وأكثر من
نصف نساء المغرب أمیات.
- الصحة : صحیح أن المغرب بھ بنیة صحیة متطورة ومتنوعة؛ لكنھا تبقى غیر كافیة، ومتمركزة في جھات معینة؛ أضف
إلى ذلك النقص الكبیر في العالم القروي ونقص التأطیر الطبي.
- السكن : یتمثل المشكل ھنا في الأحیاء الصفیحیة و الدواویر الھامشیة للمدن، وھو مشكل مرتبط بالھجرة القرویة وغلاء
العقار بالمدن المستقطبة للعمال.
إن حدة ھذه الإكراھات تتفاوت حسب الجھات الستة عشر، أي أن مستوى التنمیة البشریة متباین داخل المغرب، فھو یصل إلى 0.700
بالمناطق الصحراویة، وجھة الدار البیضاء الكبرى، وجھة الرباط سلا زعیر، ویقل عن 0.600 في جھات مثل مراكش تانسیفت الحوز وجھة تازة
الحسیمة تاونات... وھذا التفاوت یرجع إلى خیارات سیاسیة وطنیة، ومؤھلات اقتصادیة واجتماعیة جھویة.
2.2 / تدبیر الموارد البشریة:
تتجلى أسالیب التدبیر في مستویین:
- المبادرة الوطنیة للتنمیة البشریة : بدأت في ماي 2004 وھي برامج وإجراءات تسعى إلى محاربة العجز الاجتماعي في مجال السكن
والخدمات والبنیات وإلى خلق فرص الشغل وتحقیق بعض حاجیات الفئات التي ھي في وضعیة صعبة؛ ھذه المساعي أو الأھداف یتم
تحقیقھا من خلال تدابیر اقتصادیة كالتنمیة الصناعیة وتشجیع الاستثمار والمقاولات؛ إضافة إلى تدابیر اجتماعیة كالتعمیم، التمدرس،
التغطیة الصحیة، محاربة الأمیة والسكن الغیر اللائق. تدابیر تقنیة كتوفیر التجھیزات والبنیات الأساسیة والعمل على فك العزلة عن العالم
القروي.
- محاربة الفقر : تتمثل آلیات محاربة الفقر بالمغرب في عدة أسالیب منھا تسھیل الولوج إلى التجھیزات الأساسیة والخدمات الرئیسیة
مع تشجیع ودعم الأنشطة المدرة للدخل.
خاتمة : إن إكراھات العولمة والانفتاح، تفرض على المغرب تدبیرا أكثر عقلانیة في التعامل مع موارده ومجالاتھ،وتطویر إمكاناتھ
البشریة،ولن یتأتى ھذا إلا بسیاسة واضحة لإعداد التراب الوطني، والنھوض بالجھات،وتحقیق الحاجیات الضروریة. فأي اختیارات
یأخذ بھا المغرب في مجال إعداد ترابھ الوطني.؟