المدرسة والعولمة
تحاول هذه الورقة إبراز انعكاسات قانون السوق على المنظومة التعليمية، بشكل مباشر أو غير مباشر.
1-الشعار
لنفحص شعار صندوق النقد الدولي "التعليم قطاع غير منتج". فعلا التعليم قطاع غير منتج، لكن بالنسبة لمن؟ وأي تعليم؟
المقصود هو التعليم العام المجاني الموجه لأبناء الشعب، غير منتج، ليس بالنسبة لأبناء الشعب، بل للطبقة المسيطرة التي ترى في موارد الدولة مصدرا للإثراء. وبتكريسها لهذا الوضع وحمايته، فإن الدولة تقاتل لصالح طغمة وضد مصلحة أغلبية مواطنيها، المس بالحق في التعلم هو مس بالحق في الحياة.
2-العولمة الاقتصادية
المدرسة مؤسسة/ أداة لاختيار النخبة.
ـ يتحمل النظام التعليمي المسؤولية أمام أولياء التلاميذ، لذا يطالبون بتعليم "فعال"، أي يدخل أبناءهم سوق الشغل بسرعة. هذا ما يلوح به التعليم الخاص لوحده.
المطلوب، مدرسة عمومية ومجانية تضمن تساوي الفرص، من أجل دولة وطنية واقتصاد وطني... هذه مطالب/مصطلحات غدت غريبة اليوم، ولم يعد أحد يتذكرها. البرامج التنموية الوطنية "طراز قديم"، لذا لا يتحدث أحد الآن عن التنمية، يتحدثون فقط عن الاستثمار في "المناطق الحرة"، أي خارج المجتمع، في منطقة صممت خصيصا "للمستثمرين".
لقد انتصرت رأسمالية السوق التي لا مشروع لديها غير الربح، وفي لحظة الانتصار هذه، غدا قانون السوق مرجعا في كل شيء، صارت لغة المستثمرين تنظم وتقود تفكيرنا في المجتمع والاقتصاد والسياسة. يقال "التخفيف عن كاهل الدولة" أي "الإثقال على كاهل الشعب". الوجه القانوني لهذه المعادلة هو مدونة الشغل: النخاسة الجديدة.
3-العولمة والديمقراطية
الديمقراطية هي اختيار الشعب عبر صناديق الاقتراع للهيئة السياسية التي ستشرع وتنفذ البرنامج الذي تقدمت على أساسه للانتخابات. في عصر العولمة، ليس هناك إلا برنامج واحد، هو برنامج "اقتصاد السوق".
مهما كان لون الهيئة التي يمكن أن تفوز في الانتخابات التشريعية فإنها ستجد برنامج واحدا لتنفذه... هكذا يفقد حق التصويت معناه، سينتفي أثر سلطة الشعب، وهكذا ستفرغ العولمة الديمقراطية من محتواها.
النتيجة: نعيش في دول/عالم يحكمه أرباب الأسهم في البورصة.
4-الثقافة
جعل مثقفو اليمين المدجنين من قانون السوق قدرا. لذا يعلنون على "توحيد" الثقافة. ما هي هذه الثقافة؟
الجواب:
يجب أن يعجب البشر كافة بنفس الموضة، ان يأكلوا نفس الأطعمة، أن يشربوا نفس المشروب، أن يعيشوا نفس الأحاسيس وأن يتخذوا نفس المواقف ويشتروا نفس السلع التي أنتجت من أجل سعادتهم ومن أجل ربح الشركات. المقصود توحيد ذوق المستهلك إذن، يسمى هذا الذوق ثقافة!!
لا أحد يعترض على هذا، لقد غدا التكنوقراط المحاسباتيين مرجعا للنقاشات العامة، يستعرضون الأرقام كأن لاعلاقة لها بالسياسات.
5-التربية
ماهي انعكاسات قانون السوق على المنظومة التعليمية، بشكل مباشر و غير مباشر؟
ـ من مهام المدرسة إعطاء كل فرد فرصة تحسين شروط مستقبله. التعليم الخصوصي يسير بوتيرة لا يملكها التعليم الموجه لأبناء أغلبية الشعب. الذين يتجهون إلى التعليم العمومي لايتوفرون على تلك الفرصة.
ما هي مطالب السوق من المدرسة؟
1- مدرسة يمولها المتعلمون، مما سيحرم الفئات الفقيرة من التعليم، أذكر هنا بقول بروديل"الرأسمالية امتياز قلة"
2- إخضاع التربية لمنطق السوق، بحيث يحدد سوق العمل قيمة الشواهد الممنوحة، {الإجازة لا تساوي شيئا في السوق مثلا}.
3- إعطاء الأولوية للتعليم الخاص، تسهيل التراخيص والتغاضي عن طبيعة المقررات والإعفاء الضريبي...
4- تحويل المدرسة إلى مقاولة، بحيث يتم قياس ربحيتها بالمردودية المادية.
5- إعداد مقررات حسب الطلب. طلب من؟
السوق.
6- جعل الحاسوب هو المعلم الأول والأخير، مما يفقر المخيلة.
7- حصر مهمة المدرسة في تسويق كفايات التسيير والتدبير والمانجمانت ليتحول كل شيء إلى مقاولة.
8- يتكون التكنوقراطي في مدارس مكلفة خاصة بالنخبة، يتعلم المحاسبة والبراغماتية، يتكون السياسي في ساحة الجامعة، يتعلم مبادئ العدالة والمساواة. الأول أكفأ من الثاني، في الصراع الإداري، يربح التكنوقراطي البراغماتي ويخسر السياسي الشعبوي بدعوى أنه لا يحسب جيدا.
وهكذا انتشر وهم أن لا تعليم في الجامعة.
هذه هي المدرسة الجديدة: المدرسة المقاولة الفعالة والكفأة والنموذجية والقدوة والتي ينبغي تعميمها. التمويل غير موجود، إذن فهذه المدرسة امتياز قلة.
النتيجة: تصفية مبدأ تساوي الفرص.
لقد انهزم حق المواطن أمام قانون السوق، البرنامج المرحلي للشعوب هو النضال الآن لتحصين المكتسب على الأقل ولا مجال لمطالب جديدة.