-1-
بلْ
"عندما كنتُ صغيراً"
لمْ أكنْ يوماً جميلاً
فاخترعتُ
منَ السرابِ البكرِ تاجاً يعتلي بي عرشَ مملكةٍ
تمدُّ سماءها
بينَ الخزانةِ
والجدارِ
وكلما ضاقَ الجدارُ
عنِ الخيالِ الواسعِ الأرجاءِ
أو صَغُرَ المدى
أعليتُ في وهمي الجدارَ
لكي أُعلّقَ قصّةً أخرى
عنِ البطلِ النبيلِ
عنِ الأميرةِ
والرواياتِ الكثيرةِ عنْ مكانٍ آخرٍ
لو كنتُ فيهِ
لصرتُ غيري..
"عندما كنتُ صغيراً"
كانتِ الأحلامُ ممكنةً
وكنتُ الحالمَ اليوميَّ مُرتدياً
من الأوهامِ
ثوباً يدرؤُ الدنيا
فأمنحُ ما أشاءُ
لمنْ أشاءُ
كما أشاءُ
على الجدارِ
وعندما ضاقتْ ثيابي
وانتبهتُ لأنّني ما عدتُ طفلاً
- كالذي
قدْ كانَ
أو
قدْ لم يكُنْ -
نضبَ الخيالُ بخافقي
وامتدَّ في أفقي
الجدارْ
-2-
"لا تعتذرْ عمّا فعلتَ"
بلِ اعتذرْ
عمّا تركتَ
معلّقاً في حائطِ الأحلامِ
بينَ يمامتينْ
لا تهدلُ الأولى إليكَ
وتُطرقُ الأخرى بوجهكَ
تستبيحُكَ
تخلقُ الغيماتِ في أفقٍ مُحيّرْ
ماذا لديكَ
سوى تراتيلِ الذهابِ
تقولها عبثاً
فأينما تمضي خُطاكَ إلى اليمينِ
تعودُ محتبياً جداركَ
منْ يسارٍ
كلّما تمضي خُطاكَ إلى يسارِكَ
تنتهي بالضبطِ في قلبِ اليمامةِ
شوكةً
فتقولُ معتذراً
تشابهتِ الدروبُ
الشمسُ في عينيّ تعميني
وأردتُ أمضي في الشمالِ
فردني وجعي إليكِ
تريدُ تشرحُ
كيفَ في حرفٍ تضيعُ
تُطيلُ
لكنّ اليمامةَ لا تبالي
إذْ تناثرَ صدرها
لا تسمعُ الأعذارَ
قدْ سئمتْ وجودكَ
أو رحيلكَ
أنتَ
قد سئمتكَ أقدامٌ تعوّدتِ التعثّرَ في ضياعكَ
في دروبٍ عرضها قلبٌ
وآخرها هنا
حيثُ الجدارُ الثلجُ
ما صنعتْ يداكْ
تباً لما صنعتْ يداكْ..
-3-
وتقولُ أنّكَ
كائنانِ
فواحدٌ
هوَ أنتَ في وجهِ الحياةِ
الظاهرُ اليوميُّ في مللِ المكاتبِ يقتني كرهاً جديداً
- كلَّ صُبحٍ -
للوجودِ
وللوجوهْ
والآخرُ الوهميُّ
ما صنعتْ حروفكَ من فراغٍ
واسعٍ
يا للمخيّلةِ العظيمةِ إذْ تصوغُ منَ الهراءِ المحضِ
إنساناً
وأوجاعاً
وعشقاً نازفاً
هلْ يعلمُ اليوميُّ ماذا في جُناحِ الليلِ إرتكبَ الفراغْ؟
هل يعلمُ الليليُّ أن نقيضهُ
شخصٌ
كمثلِ الآخرينَ
مبعثرٌ
بين التفاصيلِ المقيتةِ للوجودِ المُرغَمِ المفروضِ في كلِّ اصطباحْ؟
هلْ يعلمُ اللاشيءَ
عنْ لا شيءَ مُختلفٍ قليلاً؟
أو إذا يوماً تقابلتِ الوجوهُ
نَظرْتَ في كذبِ المرايا
واجماً
هلْ حِرْتَ
أيهما يراكْ؟
الفارغُ اليوميُّ يزرعُ بؤسهُ في الوجهِ
تقطيباً
أخاديداً من الحَنقِ المعتّقِ
في جبينٍ ذابلٍ
وحقولِ أشواكٍ بعرضِ الوجهِ
لولا ضيقهِ ؟
أمِ الفارغُ الليليُ
ينظرُ لا يرى
إلا ملاكاً منْ ضياءٍ باهرٍ
فيذوبُ عشقاً في انعكاسٍ نرجسيٍّ
يحتوي
وهمَ التكاملِ
في سرابْ؟
أو ثالثٌ
- لا شيءَ ثالثَ -
إنما يأتي ليكتبَ ما تلاشى من سطورٍ قبلَ هذي
فارضاً
سلماً حياديّاً
على رُعْبِ النقيضِ من النقيضِ
مُوَضّحاً
أن الحقيقةَ قد تكونُ اليومَ طيَّ الحلمِ
ضائعةً
لأنّ الحائرَ المنسيَّ بينَ تهافتينِ
قدِ انتحى رملاً
قصيّاً
نافضاً كفّيهِ
من هذا
وذاكْ
-4-
منْ أنتَ؟
ماذا أنتَ؟
يسألكَ الجدارُ
فتقتفي أثَرَ التضاريسِ القديمةِ
في طلاءٍ باهتٍ
آثارَ طفلٍ
كانَ عالمُهُ الجدارْ
-5-
قدْ كانَ مثواهُ جدارْ..
مؤمن
آذار 2004م
__________________
قُلْ
ما تشاءُ
لمن تشاءُ
كما تشاءُ
متى تشاءْ!
نجيب سرورْ