الحلقة الأخيرة
لأول مرة يحس بوخزة حادة في صدره عمل على تدليكها بلطف وانزاحت عنه بسلام ،ففرح بالإنفرج الذي غمره وتابع جلسة العمل بنشاط أكبر زاد من المدة الزمنية للإجتماع ،انصرف وهو يحث مدراء شركاته على عدم التهاون فالوقت عصيب جدا.
له ألقاب عديدة "المقص"،"المنشار" ،"شفرة الحلاقة"كل يلقبه بحسب ما تركه فيه من أثر ،كم يحس بنشوة كبيرة وهو يستعرض على أبنائه قصصه المثيرة في عالم المال والأعمال وما قام به من نصب واحتيال مكنه من مراكمة هذه الثروة الهائلة ناصحا إياهم بعدم تضيع الوقت واستغلاله في كل ما يمكن أن يحقق دخلا ماديا ،فعالم المال لا يعترف بالأخلاق ،ضاربا المثل بأخيه الساذج الذي يتشبث بالقيم فبقي في الحضيض، ولولا حدة ذكائه الذي مكنه من الاستيلاء على الضيعة التي ورثاها عن والدهما لتبخرت في الأعمال الإنسانية والخيرية التي كان الأخ الأصغر ينوي القيام بها.
نظر الأبناء إلى بعضهم وكل منهم يتوجس الغدر من الآخر وهم يستحضرون ما قاله الأب عن أخيه،انفض الجمع وقام الأبناء لتوديع والدهم والذهاب إلى النوم ،إلا أن الأب لم يستطع تحريك يده للسلام عليهم ،وطمأنهم أن ذلك سيزول بسرعة كما وقع له في الصباح مع الوعكة الخفيفة.
استيقض من غفوته ووجد نفسه محاطا بفريق طبي وأبنائه بجوار رأسه وهو لا يقوى حتى على تحريك شفتيه لمعرفة ما حصل له ،والمواعيد الذي تنتظره ويمكن أن تضيع عليه صفقات كبيرة إن هو خالفها،حاول التململ والصراخ دون جدوى،يشاهد الطبيب يحرك رأسه بأسف والأبناء بجواره وكأنهم يستعجلون إنهاء هذا الوضع ،وهو يسمع الطبيب يقول للأبناء البقاء لله ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ـ لا،لم أمت ما زلت حيا هاأنا أسمعكم وأشاهدكم.
أغمضت الممرضة عينيه الجاحظتين ،وحاول إبعاد يدها عن وجهه دون جدوى،فقد أصبح كتلة جامدة ولا أحد يسمع صراخه،والأبناء يتشاورون حول التركة وكيف يتم تقسيمها بالتراضي بعد التخلص من مراسيم الدفن الذي سيوكل لممون يقوم بكل الإجراءات نيابة عنهم ،الأب ممدد على السرير ويتتبع كل ما يدور حوله في عجز تام وتأسف على ما آل إليه، وتمنى لو أن الزمن يمهله فرصة واحدة للنطق أو الحركة حتى يصحح ما ارتكبه من جرائم في حق أخيه والمتعاملين معه في عالم المال .والأبناء يحثون حفار القبور على دك التراب فوق القبر ورشه جيدا بالماء ليصبح صلدا ريتما يُحضر البناء الطوب والرخام لاحكام بناء القبر وتزيينه ،فأدرك الوالد أن نهايته أصبحت حتمية.