خلال بداية هذا الأسبوع، وقعت حادثتان طريفتان لهما علاقة
بـ«تاكلبانيت»، نسبة إلى الكلاب. وعلى طرافة الحادثتين، فهما
تكشفان عن تناقضات عميقة تفضح العقلية المتخلفة التي لازالت تسيطر على بعض أصحاب
السلطة.
الواقعة الأولى حدثت في مصر، وبالضبط في مطار القاهرة الدولي. فقد كاد
كلب زوجة السفير الإسرائيلي يتسبب في أزمة دبلوماسية بين تل أبيب والقاهرة، عندما
انتابت «المجحوم» نوبة نباح حادة بمجرد مغادرة صاحبته، زوجة السفير، قاعة كبار
الزوار بالمطار. وبما أن القوانين والقواعد المتعارف عليها لا تسمح باصطحاب
الحيوانات الأليفة داخل هذه القاعة المخصصة للضيوف المهمين، فإن حرم السفير
الإسرائيلي خرقت القواعد الدبلوماسية واصطحبت معها كلبها ووضعته داخل قفص صغير لكي
تموه على حراس الأمن. وكادت العملية تنجح لولا أن «المجحوم» قرر أن يفضح صاحبته بنباحه المسترسل، مما اضطر زوجة السفير
إلى المسارعة إلى ركوب السيارة الدبلوماسية التي كانت في انتظارهما أمام مطار القاهرة.
المثير للدهشة في هذه الحادثة أن السلطات المصرية لم تسكت على هذه
الإهانة «الكلبونية»،
وأبلغت مندوب السفارة الإسرائيلية في القاهرة احتجاج السلطات المصرية على الواقعة.
يا سلام، السلطات المصرية تحتج وتغضب على تواجد كلب إسرائيلي في قاعة الضيوف
بمطار القاهرة، فيما تواجد سفير دولة عنصرية اسمها إسرائيل، تحتل أرضا اسمها
فلسطين وتشرد وتطرد وتقتل أبناءها منذ 53 سنة، في قلب القاهرة أمر لا يستحق
الاحتجاج من طرف هذه السلطات.
وكأن قاعة الضيوف بمطار القاهرة أشرف وأطهر من القاهرة نفسها التي
تحتضن إقامة السفير الإسرائيلي وزوجته وكلبهما.
وإذا كان كلب زوجة السفير الإسرائيلي قد كاد يتسبب في أزمة دبلوماسية
بين القاهرة وتل أبيب، فإن كلب وكالة المغرب العربي للأنباء في الرباط كاد يتسبب
في طرد مستخدم وحرمانه من وظيفته.
فقد شاءت إرادة بوزردة، المدير الجديد لوكالة المغرب العربي للأنباء،
تعيين شركة حراسة تستعين بخدمات كلب يقف أمام باب الوكالة. ولكم أن تتخيلوا منظر وكالة
رسمية للأنباء يحرسها كلب، مع أن جهازا بالأشعة فوق الحمراء في مدخل الوكالة كان
كافيا لضمان أمنها.
الذي وقع أن سعادة الكلب تصيبه نوبة نباح حادة كلما رأى أحد
المستخدمين، أو على الأصح كلما اشتم رائحته. آخر مرة شم فيها الكلب رائحة هذا
المستخدم لم يتوقف عن النباح، إلى درجة أن سعادة المدير سمعه فسأل عن السبب. فكان
من أخبره بأن الكلب لا «يشم الريحة» في أحد المستخدمين، ولذلك فكلما مر من أمامه
يصاب الكلب بـ«الجهلة».
وبما أن بوزردة «مربي الكبدة» على الكلاب من زمان، وتعود طويلا على
إخراج كلبيه المنفوشين للتجول بهما في شارع محمد الخامس بالرباط عندما كان موظفا في
وكالة «رويترز» للأخبار، فإنه رق لحال الكلب، وطلب على الفور التخلص من المستخدم
الذي يتسبب له في كل هذا الإزعاج.
لحسن الحظ أن بعض أصحاب القلوب الرحيمة من الذين لازالوا ينتمون إلى
«جمعية الرفق بالبشر»، عرضوا على السيد المدير وضعية المستخدم الصعبة، وعددوا على رؤوس
أصابعهم عدد أبنائه و«الطريطات» التي عليه أن يؤديها نهاية كل شهر من راتبه في
الوكالة.
وبعدما رق قلب الحاكم بأمره في وكالة الأنباء لحال الكلب، عاد ورق
قلبه لحال المستخدم. فأمر بنقله إلى مكتب سلا حتى لا يعود كلب الوكالة إلى تشمم رائحته
مرة أخرى فينبح ويزعج راحة بال المدير في طابقه الفسيح حيث يمارس في ساعات الفراغ
الطويلة ركوب صهوة دراجته الهوائية الثابتة من أجل حرق كل السكريات التي يتناولها
يوميا في مطعم «الكونطوار الكبير».
عندما سمعت هذا الخبر قفزت إلى ذهني مباشرة قصيدة للشاعر أحمد مطر
عنوانها «كلب
الوالي» يقول فيها:
كلب والينا المعظم عضني اليوم ومات
فدعاني حارس الأمن لأعدم
عندما أثبت تقرير الوفاة
أن كلب السيد الوالي تسمم
الكابوس أمامي قائم
قمْ من نومكَ لست بنائم
ليس، إذن، كابوساً هذا
بل أنت ترى وجه الحاكم!
هذه الواقعة «الكلبونية» ذكرتني بواقعة حدثت قبل مدة عندما جاء أحد المواطنين
الإسبانيين برفقة زوجته المغربية الشابة إلى مقر القنصلية الإسبانية بالرباط
لاستكمال ملف الزواج. وعندما خرجا لينتظرا قليلا في الحديقة المقابلة للقنصلية،
استغل الإسباني، الذي يبدو عليه أنه أقفل عامه الستين، المناسبة لكي يداعب رفيقة
عمره الشابة فوق أحد مقاعد الحديقة، حيث يجلس المواطنون، منهم من ينتظر موعدا مع
الفيزا، ومنهم من ينشر أطرافه تحت أشعة الشمس بانتظار وصول موعد غرامي. وفجأة، وقف
«الصبليوني» وذهب تحت الأشجار ليتبول، حاشاكم. وهذه هي «اللقطة الخايبة» فالفيلم،
فبينما «الصبيلوني»
مستسلم لتلك النشوة الداخلية إذا بكلب يهجم عليه ويضربها له «بعضة فوحدة من ليمولي الغلاظ ديالو». ورغم أن «الصبليوني» متقدم في
السن، فقد أبدى مقاومة كبيرة أمام «المجحوم» المغربي وحاول بكل ما أوتي من قوة أن يخلص
«المولية ديالو» من بين أنياب الكلب، لكن بدون جدوى. فقد جرجره «المجحوم
واحد التجرجيرة ديال الكلاب»، ومرغه في تراب الحديقة ولم يطلق سراحه حتى كاد يقتلع
«هبرة» محترمة من رجله. وربما ظن «الصبليوني» أنه في مدينة آمنة وداخل منطقة
منزوعة الأنياب، إلى أن رأى بأم عينيه رجله وهي تكاد تزهق منه بسبب كلب سائب ضربته
النفس ربما وهو يرى كيف أن بعض الأجانب لا يحترمون تقاليدنا عندما يحلون علينا
ضيوفا، فيتصورون أنه باستطاعتهم أن يتصرفوا مع رفيقاتهم في الأماكن العمومية كما
لو أنهم في أوربا.
أحد الواقفين أمام القنصلية بانتظار موعده مع فرصة العمر علق قائلا
بعد انتهاء المعركة التي جمعت المواطن الإسباني بالمجحوم المغربي:
- تلقاه غير معرفوش وصافي، مع الريحة ديالهم ماشي بحال ديالنا...
فأجابه جاره في الصف:
- بحال والو يكون تغالط ليه مع شي رجلة ديال الحلوف، مع الراجل تبارك
الله على خير...
- خليه نيت يدي معاه شي سوفونير من البلاد، باش اللي جبد عليه حس المغرب
يعري ليه على المولي ديالو، شفتو المغرب ها المغرب، كلشي فيه كاينتف، الديوانة
تنتف، البوليس ينتفو، الموظفين ينتفو، وحتى الكلاب عندهم إلى شدك شي واحد فيهم
ينتفك...
والواقع أن مهاجمة «المجاحيم» المغاربة للأجانب ليست واقعة جديدة، فقد
سبق أن هاجم «مجحوم» آخر سائحا فرنسيا كان يتجول في كورنيش الواليدية برفقة زوجته
الفرنسية. وكانت في تلك الفترة قد شاعت في الصحافة الوطنية أخبار حول رواج السياحة
الجنسية بالمنطقة، بالموازاة مع رواج أخبار حول داء الكلب. وبما أن الكلاب أحيانا تضربها النفس أكثر من بعض الناس، فقد أشهر أحد «المجاحيم»
أنيابه وغرزها في فخذ السائح الفرنسي، رغم أن هذا الأخير «ما داير لا بيديه لا
برجليه لا بشي حاجة خرا». ولحسن الحظ أن زوجة السائح «المزغوب»، الذي خرج فيه «البلان»، اتصلت بمصالح القنصلية الفرنسية
فوفر مسؤولوها لزوجها طائرة خاصة نقلته إلى بلاده من أجل تلقي العلاج هناك.
وليس السياح الأجانب فقط من يتعرضون لأنياب قطاع الطرق هؤلاء وإنما
أيضا بعض المؤمنين الذين يغادرون منازلهم «على النبوري» لكي يذهبوا إلى المساجد لأداء
صلاة الفجر. وقد عانى طويلا المصلون بأحياء شعبية كثيرة بسبب هذه الكلاب الضالة
التي تتربص بهم الدوائر أكثر مما كان يتربص بهم «الحناش» الذين يتكلفون بإحصاء عددهم كل فجر، فيضطرون في كل مرة إلى نزع
بلاغيهم ووضع طرف «تشاميراتهم» بين أسنانهم وإطلاق سيقانهم للريح هربا من أنياب الكلاب.
أما الشيوخ الذين لم يعد بإمكانهم إطلاق السيقان للريح، فقد كان أغلبهم يعودون إلى
بيوتهم بجلابيب منتوفة وأرجل حافية بعد أن يكونوا قد ضيعوا بلاغيهم في الطريق.
وقد انتشرت آنذاك إشاعة تقول إن الكلاب في المغرب بدأت تقتحم مجالات
ليست من اختصاصها، فهي أولا تريد أن تحارب السياحة الجنسية بعد أن تعبت من تحمل صمت
المعنيين بالموضوع ومن تحمل وقاحة بعض من يأتون إلى المغرب لتفريغ عقدهم الجنسية،
وتريد ثانيا أن تساهم في محاربة التطرف عبر قطع الطريق على المؤمنين الذاهبين
لأداء صلاة الفجر.
والله أعلم.