صناعة الأخلاق
أسعد الله أوقاتكم
من مباديء صناعة الأفكار، أن الإنسان منذ القدم يصنع عددا هائلا من الأفكار من ذاته. فتتكون جملة العلاقات بينه وبين ذاته، وبينه وبين محيطيه العام والخاص. وهذه العلاقات تحكمها طبيعة التربية والمجتمع من جهة النشأة الأولى، ومعناها تربية العائلة والمدرسة، أو النشأة الإجتماعية، وكلها تراكمات أصدقاء الطفولة والمراهقة. حتى إذا إكتمل بناء الشخصية تظهر على الإنسان رغبة تأسيس عائلة، ومصدر ذلك الصلة بالجنس الآخر، ورغبة توفير وسائل العيش ومصدر ذلك العمل وإختيار وسائل النجاح. فإذا بلغ الإنسان الكهولة، عاد الى الإعتماد على الغير (في الغالب عائلته)، وعندما يشيخ الإنسان يبدأ بأن يعد أيامه الباقية من عمره
ومن جهة أخرى، تتحكم في الإنسان كل الظواهر الطبيعية، وهذه العلاقات غير إرادية، وهي شديدة الفعالية في كل منعطفات الحياة العملية التي عرفنا مسيرته فيها… وتأثيرها غير ظاهر للجاهل، لكن إذا استكمن الوعي فيه، يدرك مع كل الأفعال تناغمها مع الظواهر التي تفرزها الطبيعة. والطبيعة هنا ليس معناها المناظر والأشكال ذات الأبعاد، بل هي تداخل بين الأفعال في التربية والنشأة والمجتمع، فيكون الإنسان بهذا الفهم هو ابن مزدوج للذات والمجتمع والطبيعة
ومن الواضح هنا أن صناعة الأخلاق هي من عمل التربية والمجتمع والطبيعة. وكلما كان الإنسان قادرا على وعي ذاته، جاءت على وفق مقاسات نموه البدني والعقلي بتقليد الغير في أطار البيت والمدرسة. لكنه يبدأ بملاحظة وظائف الآخرين في تكوين أعتقاداته الأخلاقية من جهة، وأدراك العلاقات الإجتماعية، وكيف تتداخل معها العلاقات الطبيعية من جهة أخرى. وهنا تأتي صيرورة الأخلاق
أذن صناعة الأخلاق ليست فردية، ولا هي عائلية، ولاهي أجتماعية، ولاهي طبيعية، بل هي صناعة معقدة من تشابك كل هذه المدركات: الإنسان لذاته، ومؤثرات العائلة والمجتمع في تكوين هذه المدركات لكي تتطابق، أو تختلف، مع المفاهيم الموروثة عائليا وإجتماعيا، من جهة أن القانون الطبيعي المنظم لتشابك المفاهيم كمصدر للحياة الإنسانية
والحياة الإنسانية لا معنى لها بلا مفاهيم أخلاقية، نصنعها كأفراد وجماعات في الأطر الأكثر اتساعا في المكان والزمان. والأخيران هما المعياران اللذان يحددان طبيعة الحركة في كل هذا الكون، فما بالنا بالأخلاق التي هي أصلا حركة مستمرة للأفكار التي نعتقدها ونؤمن بها، ونسعى الى نشرها، ونجتهد في تطبيقها؟ وهذا معناه ميزان الأشياء التي نتعامل معها في الحياة فنسمي ما يأتلف معها أخلاقا خيرة، وما يختلف معها ندعوه الأخلاق الشريرة مستندين على قاعدة الخير والشر، والجميل والقبيح، والحق والباطل…
فعلى مدى التاريخ تدفع هذه القيم بالمنظومة الأخلاقية الى الكمال أو النقص في كل الأفكار وتجسيدها في الواقع.
والسلام عليكم