الجوزاء
هبة عصام الدين (مصر)
مرت ساعات وهي تقطع أرجاء غرفتها جيئة وذهابا ، تغيرت ملامحها ألف مرة ، وتشابكت أصابعها خمسين ، وأيقظت مرآتها بضعا وعشرين هي عدد سنوات عمر عاشتها بقوة الدفع ، لم تمارس خلالها فعل الحياه .
حريتها قرض بنكي بفائدة مركبة.
لها قلب وجناحا طائر ... لكن النوافذ مغلقة.
تذكرت النسر الذي لم يعرف الطيران طيلة حياته الداجنة، وعندما ألقوه من عل ، انتفضت فطرته فحلق قبل أن تصرعه الصخور.
تملكتها الفكرة ، اخرجت قلما ودفترا، وخطت رسالة تقول:
" دافئة هي حياتي معك ، لكني ممزقة ، ملاك أنت ، وبداخلي ألف شيطان ، أرستقراطي أنت وروحي تدخن النارجيلة في مقهى شعبي ، مقيم أنت بمدنك الهادئة ، ويقيني معقود في قدم مسافرة.
فماذا لو تحررنا من ذلك القيد الوهمي ؟
أشياء جميلة اتجاهك، لكنها لا تعصم القلب من جموحه.
ولأني أمرأة، تطاردني مشاعر ذئب إرثية، ولأنهم علموني كيف أبيعك حريتي أيا كنت ، وأيا كانت البيانات في بطاقة هويتك، أحاول بين الوقت والآخر ارتكاب المصارحة، فأجدني على حافة جرف ، أتشبث بياقتك ، ويأخذ اعترافي شكل قبلة طويلة، لا تفهمها ، فأتعذب أكثر، وتجتاحني كلمة اعتذار ، فأنطق كلمتي : أحبك جدا!
أيها النقي:
هأنذا أمنحك القدرة على سبر أغواري ، لا تغضب ، فقط تنفس بعمق ،واستمر في الغوص إلي أبعد نقطة حيث تتكون الدمعة والابتسامة ، وحيث أنا ، تلك التي يدنو إليك بعضها ، ويأتي الآخر ، ليس هربا منك ، بل هربا إلي ،ولأني لست أثنتين ،سأختارني ،وأرحل بعيدا ... وداعا "
طويت الرسالة ، وحدقت في سقف الغرفة .
بعد ساعات أخرى ، كان الرماد يغطي بقايا رسالتها في سلة مهملات سميكة ، ألفت جدرانها النحاسية ذلك الاحتراق، وكانت ذراعاه تطوقان خصرها ، وهي تمنحه قبلة طويلة ، تنظر بعدها إلى عينيه قائلة : أحبك جدا!