إن استيراد النماذج التربوية أو غيرها يتم في إطار استيراد رؤية الآخر للعالم و تصوره للكون و الإنسان و الحياة، لذلك ينبغي أن نتعامل مع كل مستورد بهذا الفهم لان معظم النظريات التربوية المستوردة لحد الآن، هي مفاهيم زرعت في دماء مؤسساتنا التعليمية بشكل عشوائي لم تراعي عدة توابث و متحولات: ( التحولات الحضارية، العلاقات الاجتماعية، الوضعية الاقتصادية، البنية التحتية لمؤسساتنا التعليمية الحالية….). هذه الامبالات ساهمت بشكل فعال في إنتاج علاقة الاستاذ ـ التلميذ من النوع الذي نعايشه في مؤسساتنا الآن، و الذي يدل على أن النماذج المستوردة أنتجت تعليما مشوها و غير قادر على التحدي الحضاري و غارق في جمل من الصعوبات.
فإذا كانت البرامج التعليمية بعيدة عن الواقع المغربي و خصوصياته، فإنها حتما تدفع بالأساتذة و بالمتعلمين إلى النفور، و الذي يترجم في شكل ردود فعل عدوانية في بعض الأحيان من طرف التلاميذ تجعل الأساتذة حائرين في شكل و طريقة التعامل معها. خاصة إذا علمنا أن الاستاذ في مراكز التكوين يتلقى شذرات مبتورة من دروس فن التربية وعلم النفس التربوي، مستوحاة من فكر جان جاك روسو أو جان بياجي و غيرهما من مفكري الغرب منذ فترة عصر الأنوار.
مما لا شك فيه أن النماذج التربوية التي يتلقاها الطالب / الأستاذ لا هي وليدة حاجات اجتماعية أصيلة فرضها تطور اقتصادي سليم، و لا هي حققت الانجازات التي توصلت إليها في أوطانها الأم. لذلك لم يكن بإمكانها إلا أن تخلق لنا حالة تربوية متخلفة و تابعة، تترجمها علاقة الاستاذ ـ التلميذ الحالية في مؤسساتنا التعليمية. لأن هذه النظريات في مجملها مثالية و يجب تطبيقها في واقع مثالي تتوفر له جميع الإمكانيات المادية و النفسية و الفكرية و الاجتماعية. لذلك فالأستاذ يجد نفسه أمام حالة من المتناقضات: فمن جهة عليه أن يطبق التعليمات التربوية الرسمية و يأخذ بعين الاعتبار المستويات المختلفة جماعيا و فكريا بالنسبة لجميع التلاميذ، و في نفس الوقت عليه أن يتحدى جميع الصعوبات المطروحة ليخلق علاقة نموذجية مع التلميذ و هذا لن يتأتى أبدا في ظل الظروف الراهنة.
وهنا أشير كذلك إلى ربط التلميذ بواقعه الاقتصادي و الاجتماعي و الحضاري الذي يعتبر ضرورة حتمية لمعرفة نوع علاقته بالأستاذ، هذه العلاقة التي لا يمكن فهمها إلا من خلال ربطها بالعقليات السائدة في اغلب الأسر المغربية، و هي عقليات متشبعة بالكثير من أنماط التفكير و الممارسات السائدة. إذ لا نستغرب إذا و جدنا من ينادي و بقناعة بضرورة معاملة التلميذ بنفس الطريقة السائدة و الشائعة في المجتمع المغربي. فإذا كان التلميذ يعامل داخل أسرته تبعا للعقليات السائدة و المتمثلة في
( العصا لمن عصا)، ( الحر بالغمزة و العبد بالدبزة )،( و ذاك الشخص كاموني إذا ما تحك ما يعطي الريحة)….، هذه مقولات لها دلالتها السيكولوجية و السوسيولوجية، فانه لا يمكن معاملته بطريقة مختلفة و بعيدة عن هذا الواقع الذي يعايشه بشكل يومي ، و من جهة أخرى لا يمكن فهم علاقة الأستاذ بالتلميذ في غياب فهم المشاكل السائدة داخل المجتمع: ( انسداد آفاق التعليم ، الفقر، الوضعية الثقافية…). الأمر الذي يؤثر بشكل سلبي و يتحكم في نوعية العلاقة التي تربط الأستاذ بالتلميذ….