أظنك ناقما علي, وأظنك تستعجل يوم فراقي وحري بك ألا تستعجله، لأنه سيكون يوم ضياعك. مشكلتك أنك لاتستطيع العيش بعدي. من يطعمك أو يكسوك أذا مت أو حدث لي مكروه ؟ أنا وأنت وحدنا في هذا البيت المتداعي. ماتت أمك وتركتك لي. لم تكبر بعدها أبدا وإن ازددت طولا وجسامة، كما كانت أمك بالضبط, وسمينا وأبله مثلها رحمها الله.
قل لي.. أي لعنة حلت عليك في غيابي؟ ألم تكن متفوقا في الابتدائية وكنت الأول في صفك دائما؟ ماذا خرب عقلك في السنوات التي تركتك فيها عند أخوالك؟ ما إن عدت من الأسر وذهبت واستعدتك حتى وجدتك هكذا. لم أدخر وسعا لشفائك. قالوا تلبسك جني فقصدت بك إلى الدراويش مرارا. لم أكن آسفا على الأموال التي أنفقها في تلك السفرات البعيدة المرهقة، ولكن في آخر مرة، حين عمد ذلك الدرويش الى جمع يديك بسيخ يخترقهما حتى لاتحركهما ورجليك بسيخ آخر حتى لاترفس، شاهدت رعب عينيك واصفرار وجهك, المغطى بالعرق وارتعاش جسمك كالسعفة, فشق علي ذلك، أن أعرضك للعذاب من دون طائل. أما الأطباء فإن مراجعتهم دوختني,ولكن ماذا بك ؟ تأكل من خير يدي وتحاول أن تضربني لأني وبختك على إبقاء التلفزيون مفتوحا، طوال الوقت تريد أن تشاهد قناة الأغاني الخليعة السخيفة تلك,أنا لاأبخل عليك بمدحي حين تحسن التصرف ولكني مستعد لعقابك بشدة حين تسيئه كما فعلت أول أمس أذ أدبتك بعكازي القوي. ماذا دار في خلدك السقيم ؟ قلت في نفسك هذا رجل قارب الستين, جريح حرب لايقوى على صرعي وسأقضي أيامي آكل من طعامه وأصفعه. أنا أفكر بك كثيرا وأنت لا تفكر إلا.. ربما لاتفكر أصلا.
عندما ذهبت لزيارة بعض أقربائنا في العيد بقي بالي مشغولا بك، كنت قد تعبت من السير عند عودتي، ففكرت وأنا جالس أمام مقهى صغير أحتسي الشاي أن أي سائق سيارة مفخخة مغفل يمكنه أن يقودها بسرعة ويقودنا الى حتوفنا. لو هاجمنا أحد حملة الأحزمة الناسفة فلن أستطيع النجاة وأنا بعرجي هذا. فكرت بك ياأحمق. فكرت بمصيرك أذا لم أعد إليك. ستظل أياما تنتظرني الى أن تتعفن وتموت خوفًا. عدلت عن السير في الشارع وسلكت طريقا طويلا متعرجا عبر الأزقة يوصلني الى المرآب الذي ركبت منه الى هنا. الحياة في الخارج أصبحت خطرة خطرة جدا ياولدي. أنت تفهم هذا على الأقل فأنت لو خرجت الآن لتجلس بباب الدار لا تلبث أن تعود مسرعا, تعود إلى جواري.. جوار أبيك, وهو دأبك منذ زمن بعيد, من قبل زمن القصف والعبوات الناسفة وسيارات «الهمر» المتجولة التي تخيفك كثيرا. الحمد لله أننا لسنا بحاجة الى الذهاب بعيدا لكسب الرزق, لدينا الراتب التقاعدي وبسطتنا المباركة وإلا فماذا كنا سنفعل؟ أنا أعرج وأنت.. الحق أقول لك.. أنا أيضا مثلك لا أحب الابتعاد عن البيت. حتى عندما أذهب لقضاء بعض الوقت في مقهى السوق لاأشعر بالراحة فأصحابي صاروا مملين.. المقهى نفسه لم يعد كما كان, احتلت الشرطة بناية قريبة منه جعلتها مركزا, والمقهى يغص بهم طوال الوقت, أكثرهم شبان يسرفون في الضحك والمزاح بصوت عال ولا هم لهم وهم جالسون هناك سوى العبث بهواتفهم النقالة. إن الانتحاريين مغرمون هذه الأيام بأستهداف المقاهي التي تلوح فيها قمصان زرقاء، ارفع بطانيتك عن الأرض.. هل تريد النوم؟ معك حق.. التيار الكهربائي مقطوع والوقت منتصف الليل تقريبا والجو بارد, أنا أيضا سأنام. احذر أن تعبث وأنا نائم بالفانوس تريد إشعال سيجارتك منه أو ماشابه فتحرقنا, أنا أعرفك.. أعوج لاتفعل شيئا كما يجب وربما تركت الفانوس في مكان غير مناسب. خذ ولاعتي هذه! ضعها عند رأسك الخسيس سأنام.. وأنت لاتنم على بطنك.. النوم هكذا يسبب لك أشياء سيئة في الليل. إذا نمت هكذا ضربتك بالعكاز!.
________________