وادي الذنوب
...
املأوه ذنوبًا.. كلما ارتكب أحدكم معصيةً فليخبر الوادي بها.. هكذا يمتلئ.. وعندما تصل ذنوبكم إلى فمه.. عندما يفيض بها سيرسل لكم علامة.. سيصبح واديًا من ذهب، عندها تنعمون برغد العيش.. تتوبون عن الذنب..، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له!!
أخبرنا شيطان بلدتنا .. دليلنا إلى التهلكة.. وعرافنا الذي لا يُشق له غبار، صرنا نقترف المعاصي.. ما ظهر منها وما بطن.. أحيانًا على استحياء ومرة أخرى علانية.. لا تتسرعوا في الحكم علينا.. لسنا بلدةً من الفساق والعياذ بالله.. نحن بشر مثلكم.. بشرٌ طيبون.. ذنوب الواحد منا لا تتعدى النظر إلى جارته الحسناء بطرف عينه اليسرى.. أو الهمس بلسان سوءٍ في حق بعضهم.. ربما نجتمع على نار مواقد الفحم الشهية ونتبادل اسرار غيرنا.. بعض الأحيان نماطل في رد الديون إلى أصحابها ولكن ليس بسوء نية وانما للفقر المدقع .. قد نتساءل بخبث: من أين هبطت الثروة على رأس (نحناح) شيخنا المهيب؟.. نعرفه فقيرًا لا مال له.. وهل لذلك علاقة بتجارته المريبة مع (زيدون) تاجر الحشيش؟
ربما استغرب بعضنا أشياء أخرى لا علاقة لها بالمال.. مثلاً بلدتنا الصغيرة، التي يزورها الموت بين الحين والآخر.. كيف لا يموت الأنذال؟ وكيف نفسر تلك المعجزة الصغيرة، التي لا تتوقف عن الحدوث؟.. منذ عشرين سنة لم يمت نذل واحد في البلدة.. بالرغم من أننا نملك منهم الكثير.. هذه بعض الذنوب.. لنا أيضًا ذنوب حلوة المذاق.. موعد مع حبيبة، أو قصيدة غزل، ربما تتطور الأمور إلى حد اختلاس قبلة، هذا كل شئ، لكن كان للشيطان رأى آخر:
تلك الليلة غادرنا مجلس المختار، تركناه يجلس على نار موقد الفحم الشهي، أمامه الشيطان وبينهما تتمدد الأفكار الطازجة متأثرة بالحرارة حسب ما نصت عليه أحدث قوانين الفيزياء.
صباح اليوم التالي كنا نستمع إليهم، أقصد إليه، كان مختارنا يملي علينا قائمة طويلة من المعاصي:
- هذا لا يكفي.. افعلوا أي شيء، افهموني جيدًا، لا تتوقفوا عند حد، كونوا أنذالاً بمعنى الكلمة، تملكون الكثير من الأنذال، اسألوهم وسيخبرونكم، أريد أفعالاً يندى لها جبين الشيطان نفسه، لا تتوقفوا عند حد.. فى داخلكم الكثير من الدناءة.. ابحثوا عنها.. استخرجوها من أعماق صدوركم.. لا يخلو بشرٌ من الدناءة.. فقط المزيد من العمل وسيمتلئ الوادي.
عند الظهر زاره وفدٌ يمثل أنذال البلدة، جلسوا على بساطه، تحدثوا معه، عرضوا عليه معاصيهم، نذالتهم وطبعهم الخسيس، لكن النتيجة كانت مخيبة للآمال:
- مصيبة، إذا كانت هذه نذالتكم فما أجدركم بخيبة الرجاء، أنتم أنذال مبتدئون، وأنا أشعر الآن بخجلٍ لا مثيل له.
تلك الليلة لم ينم أحد، إنه التحدى الكبير وعلينا أن ننجح الآن :
-الوادي يستصرخكم ياشباب البلدة، شرفكم في خطر، عمّا قريب سيقبل الشيطان وعلينا أن نصنع الآن ما يليق.
انتهى الأسبوع الحافل وقد تحوّلنا إلى سفلة حقيقيين، فقدنا براءتنا وهدمنا كل صرح للخير في صدورنا، هتكنا الأعراض وأصبحنا زناةً وشهدة زور وعبدة شيطان وحثالةً لا يُشق لنا غبار، امتهنا كرامة الأمهات وبعنا شرف النساء وقتلنا براءة الأطفال، وأقسمنا بكل مقدس كاذبين، كنا نصلى بلا روح، ونسبح لله بألسنة تمتهن النفاق.
تعبنا من الذنوب، أنهكتنا المعاصى ولكن الخبر المؤلم فاجأنا:
- لم نملأ سوى نصف الوادي فقط، نحتاج الى المزيد.
استغرقنا فى النوم تلك الليلة وقد أكل اليأس أكبادنا وامتلأت أفواهنا بمرارة الهزيمة، لكن الصباح أقبل إلينا بمفاجأة لم تكن تخطر لنا على بال.
كان الشيطان يقف مذهولاً يتطلع إلى الوادي المترع بالذنوب، فيما كان مختارنا يضحك ملء فيه، فقد اقترف ذنبًا لم يخطر لنا ببال:
- الأمر سهل يا أبناء بلدتى، فعلتم كل ما بوسعكم ولم يمتلئ الوادي، فكرت طويلاً واكتشفت ذنبًا لم نقترفه بعد، لم تبق إلا الخيانة، لقد بعت البلدة بأسرها ومعها الوادي لجيراننا الأعداء، صحيح أننا لم نعد نمتلك شيئًا لكن هذا الوادي اللعين قد امتلأ أخيرًا، أليس كذلك أيها الشيطان؟!.
بقلم / الصديق بو دوارة - ليبيا