درس : العالم غداة الحرب العالمیة الأولى
تقدیم :
انتھت الحرب العالمیة الأولى بمأساة إنسانیة عمیقة، فبعد سكون الآلة الحربیة، اتجھ المجتمع الدولي إلى التفكیر في بناء سلم عالمي، لكن ما
نتج عن مؤتمر السلم بفرساي من اتفاقیات لم یرض الدول المنتصرة، وفي نفس الوقت لم یكبح الطموحات المتجددة للدول المنھزمة. من جھة أخرى
فإن التغییرات الحاصلة في الخریطة السیاسة لأوربا بعد الحرب وبروز قوى عالمیة جدیدة، كلھا أمور ستغرس بذور نزاعات جدیدة.
1/ اتجھ المجتمع الدولي بعد انتھاء الحرب العالمیة الأولى إلى بناء السلم العالمي :
1.1 / مؤتمرالصلح بفرساي :
ثلاث اشھر من ھجوم الولایات المتحدة الأمریكیة ودول الوفاق كانت كافیة لانھیار الدول المركزیة والتفكیر في بناء السلم وطرق تنظیمھ.
في ھذا الإطار ینعقد مؤتمر السلام بقصر فرساي بباریس من ینایر إلى یونیھ 1919 ، بحضور 27 دولة، وفي غیاب الدول المنھزمة وروسیا. مند
بدایة أشغال المؤتمر اتضح تضارب الآراء بین مواقف الدول الأربعة, فالولایات المتحدة الأمریكیة ترید سلما یضمن مصالحھا الاقتصادیة في
المستقبل، وقد عبر عن ذلك الرئیس ولسن في برنامجھ " النقط الأربعة عشر"، إنجلترا - لوید جورج رئیس الخارجیة - تخشى النفوذ الفرنسي
وترید إبقاء ألمانیا قویة لمنافسة فرنسا. فرنسا- الوزیر الأول كلمنصو- ترید تحطیم المانبا وتجزئتھا، و اقتطاع أجزاء منھا وإنزال أشد العقوبات
بھا، ایطالیا- وزیر الخارجیة اورلندو- ترید الحصول على أراض، الأمر الذي رفضھ ولسن. في ھذا الجو أنھى المؤتمر أعمالھ بإرغام ألمانیا
على توقیع معاھدة فرساي كما وقعت معاھدات أخرى مع حلفائھا.
2.1 / معاھدة فرساي مع المانیا :
انطلفت المعاھدة من إقرار ألمانیا مسؤولیتھا عن نشوب الحرب العالمیة الأولى، و وقعتھا الحكومة الألمانیة الجدیدة - حكومة فیمار- یوم
28 یونیو 1919 بقصر فرساي بباریس. تمثلت العقوبات التي أنزلت بألمانیا في :
اقتطاع أجزاء من ترابھا لصالح الدول المجاورة.
إعطاء الالزاس و اللورین لفرنسا.
تقلیص عدد جنودھا.
دفع تعویض مالي.
تجریدھا من السلاح و من مستعمراتھا.
لقد خلقت اتفاقیة فرساي یأسا عمیقا داخل ألمانیا، وظل الألمان ینظرون إلى اتفاقیة فرساي كأمر مفروض وظلم قائم.
معاھدات أخرى فرضت على حلفاء ألمانیا كالنمسا، ھنغاریا، بلغاریا والدولة العثمانیة.
2/ مست أوربا بعد الحرب تحولات عمیقة سیاسیا واقتصادیا :
1.2 / التحولات الترابیة السیاسیة :
ا) تغییر الخریطة السیاسیة لأوربا : أدت قرارات مؤتمر الصلح إلى اختفاء إمبراطوریات تاریخیة كالإمبراطوریة النمساویة، الھنغاریة
والإمبراطوریة العثمانیة، من جھة ثانیة ظھرت دول جدیدة، تمثلت في یوغوسلافیا، بولونیا، تشیكوسلفاكیا، فلندا و دول البلطیق. كما عرفت دول
أخرى تغییرات في ترابھا مثل رومانیا.
ب)تكوین عصبة الأمم : لتفادي أزمات جدیدة قرر مؤتمر السلام تكوین ھیئة دولیة لتنظیم السلم وھي عصبة الأمم كما جاء في البند 14 في
برنامج ولسن، وبالفعل خلقت ھذه العصبة وتمركزت أجھزتھا بجنیف. .إذا كان السلم والأمن الدولیین ھو ھدف العصبة، فإن مبادئھا ترتكز على
عدم اللجوء إلى القوة لحل النزاعات الدولیة، و احترام القانون الدولي.
2.2 / تراجع المكانة الاقتصادیة الأوروبیة :
استنزفت الحرب العالمیة الأولى أھم الموارد الاقتصادیة للدول الأوربیة، فقد عرف إنتاج الفحم انخفاضا كبیرا وھو
دعامة أساسیة للصناعة في أوربا، كما تراجع الإنتاج الفلاحي بفعل إتلاف الأراضي الزراعیة، وانكمشت المبادلات التجاریة، وحدث نقص في الید
العاملة و في استعمال الأسمدة و الأدویة نتیجة تخریب المعامل. في كل ھذه الظروف ازدادت حاجیات أوربا للأسلحة والمؤن ومختلف المنتجات
الأخرى. بالتالي ازداد اعتمادھا على الولایات المتحدة الأمریكیة و ارتباطھا بالقروض الأمریكیة. مقابل التراجع الأوربي ستظھر الیابان و
الولایات المتحدة الأمریكیة كقوى عالمیة، فالولایات المتحدة الأمریكیة ستستفید من تمویلھا لأوربا، و ارتفعت قیمة صادراتھا نحو أوربا خلال
الحرب من 1.3 ملیار دولار سنة 1914 إلى 5.8 سنة 1918 . أما الیابان فإنتاجھا الصناعي ارتفع بشكل سریع خلال فترة الحرب.
.إذن الحرب العالمیة الأولى غیرت مركز القوة العالمیة من أوربا إلى الولایات المتحدة الأمریكیة و الیابان.
3.2 / في المستعمرات :
شعوب المستعمرات شاركت في الحرب العالمیة الأولى، لیس فقط بالجنود، بل بالمواد الغذائیة والمال والمواد الأولیة كذلك. وعانت
المستعمرات خلال الحرب من تزاید حدة الاستغلال الاستعماري، لكن من جھة ثانیة فھذه الشعوب ظلت تأمل في الاستقلال بعد الحرب. و بالرغم
من كون مؤتمر السلام أكد على تقریر المصیر، فأن الدول الاستعماریة وعكس ذلك ستكرس الاستغلال والقمع والتقتیل. ھذا الوضع سیؤدي إلى
میلاد حركات التحرر ومقاومة الاستعمار، ھذه الحركات ستقود بلدانھا نحو التحرر.
خاتمة أن السلام الذي ثم بناءه في فرساي یحمل في طیاتھ بذور أزمات مستقبلیة، إذ أن استیاء شعوب ألمانیا وایطالیا سیفقدھا الثقة في الأنظمة
البرلمانیة الدیمقراطیة، كما أن عصبة الأمم ظلت كحلف مقدس یحمي مصالح فرنسا وبریطانیا. فما تأثیر ھذه الأوضاع على علاقات الدول
الأوربیة في المراحل المقبلة؟