منهجية تحليل ومناقشة نص فلسفي
المقدمة
ما وظيفتها؟
وظيفتها التمهيد للموضوع وتبرير وجوده أو الإعلان عنه. وبما أن كل تفكير فلسفي ينطلق من إشكالية ما يحاول كشف أبعادها ونتائجها أو يحاول إعادة صياغتها أو اقتراح سبل لمعالجتها، فإن المقدمة هي محل الطرح الإشكالي، ولكن الحس السليم يعلمنا أيضا أنه لا يمكن الشروع مباشرة بطرح السؤال أو الإشكال، فلابد من نوع من التمهيد يأخذ بالقارئ تدريجيا إلى الإشكال. وعليه فالمقدمة تتضمن شقين مترابطين:
** التمهيد( للإشكال).
** التعبير عن هذا الإشكال وصياغته وطرحه .
ملاحظة أولى: لتحديد إشكالية النص، يمكن أن نطرح على أنفسنا السؤال التالي:
ماهو السؤال أو الإشكال الذي يعتبر النص بمثابة إجابة عليه أو معالجة له؟ بالإجابة على هذا السؤال، أحدد السؤال المركزي الذي سأطرحه في آخر المقدمة وكذلك الأسئلة المتفرعة عنه. ولكن كيف أمهد له الآن و أأطّره؟
ملاحظة ثانية: (تخص صياغة التمهيد): لإنجاز التمهيد، علينا أولا أن نطرح على أنفسنا أحد الأسئلة التالية:
- ماهو موضوع النص؟ مثال موضوع النص : علاقة النفس بالجسد، الصورة كوساطة، الحضارة بين الخصوصية و الكونية، الشخص، الحق، التاريخ...
- ماهو المجال أو القضية التي يتحرك ضمنها النص؟ مثال : المجال السياسي ، الفكري ، الاقتصادي ، قضية الذات ، قضية السعادة، قضية الآخر...
- ماهو المفهوم أو المفاهيم الأساسية التي يتمحور حولها النص؟ مثال: الاغتراب، الحضارة العالمية، العدالة، معرفة الآخر...
بالإجابة على أحد هذه الأسئلة أحدد الإطار العام للنص الذي ينبغي الآن أن"أنسجه" ضمن تمهيد مناسب، بأحد الأساليب التالية:
ا- التأطير النظري أو الإشكالي أو التاريخي (تاريخ الفلسفة بالطبع) لقضية النص.
أمثلة:
* إن التساؤل حول قيمة السعادة يأخذ معناه في الفلسفة المعاصرة التي تهدف إلى إعادة النظر في مسألة القيم أو قلبها أحيانا، من هنا يمكن التساؤل....
* لم تطرح إشكالية طبيعة العقل ووظائفه بشكل منهجي متخصص إلا مع الفلسفة الحديثة. مع ديكارت تحديدا ، حيث اتخذ العقل معنى ذاتيا أضيق. لكن هذا الانقلاب لم يكن سوى فاتحة لطرح أسئلة حول طبيعة و وظيفة هذه الملكة التي تتميز بها الذات العارفة، من قبيل: هل...
ب- تعريف المفهوم المركزي في النص: بشكل ينفتح على الإشكالية المراد طرحها.
مثال: للغة معنيان: عام وخاص، يهمنا هنا المعنى الخاص الذي يفيد – حسب لالاند – وظيفة التعبير الكلامي عن الفكر داخليا وخارجيا. ولكن هل نفهم من ذلك أن وظيفة اللغة تنحصر في التعبير الكلامي عن فكر مستقل عنها وسابق في الوجود عليها ؟ أم أن الفكر لا يوجد إلا أثناء ومن خلال وظيفة التعبير الكلامي أي أن اللغة والفكر كيانان متصلان متزامنان؟
ج- الانطلاق من التقابلات.
مثال : يبدو الإنسان أحيانا حرا في اختيار شخصيته وفق مشيئته وإرادته، في حين تكشف ملاحظات أخرى عن كونه مجرد نتاج لإكراهات و إشراطات خارجة عن إرادته. فهل الإنسان...
د- الانطلاق من تجربة شخصية أو واقعة ملموسة أو أدبية أو من الحس المشترك.
مثال:
كثيرا ما ينتاب الواحد منا أفكار أو أحاسيس لا يعثر لها على كلمات مناسبة لوصفها أو التعبير عنها أو إبلاغها للآخرين، ألا يحق لنا والحالة هذه أن نعلن أسبقية وانفصال الفكر عن اللغة؟ أم...
المنزلقات والأخطاء
لكون المقدمة أول ما يصادف أو "يصدم" قارئ موضوعنا، فإنها تنبئ عن قيمة الموضوع ككل: بحيث قد تترك لديه انطباعا يؤثر سلبا أو إيجابا على طريقة تعامله مع بقية موضوعنا، لذا يستحسن تجنب بعض المنزلقات والأخطاء أثناءها، من قبيل:
- إطالة التمهيد بالاسترسال في تفاصيل لا علاقة لها بالموضوع، ربما يكون موقعها الجوهر لا المقدمة.
- طرح أسئلة كثيرة لا علاقة لها بالموضوع.
- كتابة تمهيد عام جدا وغير مفضي إلى الإشكال المطروح، بحيث يكون في الحقيقة صالحا لجميع الموضوعات، كالمفتاح الذي يفتح جميع الأقفال !!.
الجوهر
بشكل تقليدي، يتكون الجوهر من جزأين أو فقرتين متكاملتين مترابطتين والفصل بينهما مصطنع بهدف الشرح والتوضيح: التحليل والمناقشة.
التحلــــــــــــــــــــــــــــــــــــيل
ما وظيفته؟
يمثل التحليل جزءا من الموضوع أبرهن من خلاله على مدى فهمي السليم لأطروحة النص و لمضمونه وحججه ومسار تشكل أطروحته، وإدراك دلالة أفكاره وينبغي أن نتذكر على الدوام أن دلالة النص غير واضحة وبديهية وإلا لما سئلنا عنه! فقد تكون الدلالة اللغوية أو الدلالة الفلسفية غامضة أو هما معا. وعليه فإن المجهود الفكري الأكبر يتجه نحو شرح وتوضيح المادة المعرفية التي يحملها النص.
ملاحظة: لتهيئة الجوهر، في هذه المرحلة التمهيدية، يمكن أن نطرح على أنفسنا الأسئلة التالية و المستهدف من الأسئلة:
- ماهو بالضبط جواب النص على السؤال المطروح في المقدمة؟ ماهو الموقف الذي يتخذه إزاء الإشكالية؟ ------> أطروحة النص.
- ما هي العناصر المعرفية والمعطيات التفصيلية لهذا الموقف داخل النص؟ مثلا: الأفكار الجزئية، الأمثلة... -------> الأفكار الأساسية للنص.
- ما هي المفاهيم الرئيسية؟ كيف يمكن شرحها وتعريفها ؟ وفي أي سياق ينبغي إدراج ذلك؟ --------> توضيح المفاهيم أو البنية المفاهيمية.
- من بين أفكار النص، أيها يؤدي وظيفة حجاجية واضحة؟ مثلا: مقارنات، أمثلة، استدلال بالخلف، أسئلة استنكارية، أساليب لغوية بلاغية للإقناع، وقائع... -------> البنية والأسلوب الحجاجي.
- هل أجد في النص أفكارا يوضح أو يشرح بعضها بعضا؟ ------> الفهم الكلي للنص وإضاءة بعضه ببعض.
- هل أملك - من خلال معرفتي باللغة العربية ومن خلال رصيدي المعرفي الفلسفي - أفكارا أو أمثلة أو استشهادات ذات صلة تسمح بتوضيح وشرح أفكار النص وحججه؟ ----> استدعاء المكتسبات الملائمة لفهم النص.
- هل يتضمن النص إشارات مقتضبة أو تلميحات إلى أفكار أو أطروحات فلسفية أعرفها؟ ------> توضيح ما اكتفى النص بالتلميح إليه.
- هل يمكنني أن استنبط من أفكار النص وحججه أفكارا وحججا إضافية تنتمي إلى رصيدي المعرفي بحيث أزيد الأولى وضوحا؟ ------- > تطوير وإعادة بناء البنية الحجاجي للنص.
- هل يمكنني في الأخير أن أنظر إلى النص من أعلى، فأنسبه إلى تيار فلسفي أو أصنفه ضمن مذهب فلسفي معروف؟ ------> وضع النص في إطار موقف أو مذهب أو تيار فلسفي.
المناقـــــــــــــــــشة
ما وظيفتها؟
تمثل المناقشة جزءا من الموضوع أبرهن فيه على قدرتي على الحكم على موقف النص و تقييمه أو إبراز حدوده.
ملاحظة
لإنجاز هذه الخطوة في المرحلة التمهيدية، يمكن أن أطرح على نفسي الأسئلة التالية:
- هل لدي ملاحظات أو تعليقات حول الأسلوب أو البناء الحجاجي للنص؟ حول قوة الحجج أو ضعفها، ملاءمتها أو عدم ملاءمتها؟ -------- مناقشة داخلية.
- هل هناك نتائج أو جوانب أهملها النص أثناء تناوله للموضوع -------- مناقشة داخلية.
- إن لم يكن، أفلا توجد مواقف وأطروحات فلسفية مغايرة تتبنى منظورا أو تحليلا مخالفا لتحليل النص؟ -------- إبراز حدود النص.مناقشة خارجية.
- إن لم يكن، أفلا توجد مواقف وأطروحات فلسفية تتبنى منظورا أو تحليلا مكملا لتحليل النص؟ ------------ موضعة النص في سياقه الفلسفي، مناقشة خارجية.
الخاتمة
ما وظيفتها؟
الخاتمة تمثل جزءا من الموضوع نعبر فيه عن الخلاصة التي نخرج بها من كل هذا التحليل والمناقشة.
ملاحظة
لإنجاز هذه الخطوة، يمكن أن أطرح على نفسي السؤال التالي:
كيف أصبحت أنظر إلى الموضوع الآن بعد تحليله ومناقشته؟
المنزلقات والأخطاء أو ما ينبغي تجنبه
تجنب الأحكام القاطعة لأن الفكر الفلسفي ذو طبيعة منفتحة؛وتجنب طرح أسئلة أبعد ما تكون عن الموضوع الذي انتهينا منه و تجنب إعادة طرح نفس أسئلة المقدمة وكأننا لم نستفد شيئا وكأننا خرجنا من الموضوع كما بدأناه !!