درس : المغرب تحث نظام الحمایة
مقدمة:
القرن 20 ھو القرن الذي فقد فیھ المغرب استقلالھ لأول مرة في التاریخ، فقد تجندت فرنسا ومن ورائھا القوى الأمبریالیة الأخرى لفرض
نظام الحمایة على المغرب في مارس 1912 ، ولم تجد فرنسا صعوبة كبیرة لتحویل نظام الحمایة إلى استعمار مباشر، بل ستتنازل فرنسا عن جزء
من البلاد المغربیة لصالح إسبانیا، وقامت القوتان الإستعماریتان بغرس أجھزة سیاسیة وإداریة تخدم مصالحھما، في حین تم إقصاء الجھاز
المخزني المغربي وعلى رأسھ السلطان، أما المغاربة فلجئوا إلى الجبال، و من ھناك حاصروا المعمر، سواء الاسباني في الریف، أو الفرنسي في
جبال الأطلس، ورغم قلة الامكانات وضعف العدد والعدة وكثرة الضحایا، فقد سجل ھؤلاء المغاربة صفحات ذھبیة في تاریخ المقاومة المسلحة.
1/ تم توقیع عقد الحمایة في ظروف الضغط الأجنبي والأزمة الداخلیة :
1.1 / السیاق التاریخي لعقد الحمایة :
لقد تداخلت عدة ظروف لیصبح المغرب تحث نظام الحمایة، فھناك التسربات الاستعماریة التي بدأت منذ ھزیمة اسلي واتفاقیة للا ماغنیة
سنة 1845 حین احتلت فرنسا المناطق الشرقیة للمغرب، واستمرت التسربات مع التوسع الأسباني شمال وجنوب البلاد خاصة بعد اتفاقیة تطوان
. 1861 ، واكتملت التسربات باحتلال فرنسا لمدینتي وجدة والبیضاء سنة 1907
.إلى جانب التسربات ھناك عوامل أخرى منھا، عوامل خارجیة تتمثل في المساومات الاستعماریة وتصفیة القضیة المغربیة بین الدول
الاستعماریة، و یتضح ذلك من خلال الاتفاق الفرنسي الإیطالي سنة 1902 ، ثم الاتفاق الودي سنة 1904 ، والذي تتضمن بنودا سریة تلتزم
بمقتضاھا فرنسا بالتخلي عن شمال المغرب لصالح اسبانیا، ثم مقررات مؤتمر الجزیرة الخضراء لسنة 1906 . وأخیرا الاتفاق الفرنسي الألماني
. سنة 1911
إضافة إلى ذلك ھناك عوامل داخلیة مرتبطة بأزمة المغرب، وھي أزمة اجتماعیة واقتصادیة، فالبلاد عمھا الفقر والبؤس، وأفتاھا الجفاف
والطاعون والمجاعات، ولم تتمكن إصلاحات السلطان المولى عبد العزیز من انقاد البلاد، بل تعمقت الأزمة وأصبحت وحدة البلاد مھددة بظھور
زعماء محلیین استفادوا من دعم القوى الاستعماریة من أمثال بوحمارة و الریسوني. لقد كلفت ثورات ھؤلاء الكثیر من المال والجھد من السلطان
المولى عبد العزیز، و وجد السلطان نفسھ مضطرا إلى طلب القروض الأجنبیة، وبقدر ما كانت القروض تزداد بقدر ما كان المغرب یفقد سیادتھ؛
لقد استشعر المغاربة الخطر، وأحسوا بأن السلطان المولى عبد العزیز غیر قادر على التخلص من التأثیر الأجنبي، لھذا ستتم مبایعة أخیھ المولى
عبد الحفیظ. بویع المولى عبد الحفیظ سنة 1908 وكانت بیعتھ مشروطة باسترجاع المناطق والمدن المغربیة المحتلة و رفض قرارات الجزیرة
الخضراء والتوقف عن استشارة الأجانب في كل ما یھم الأمة المغربیة. .إن بیعة الشعب للسلطان في ھذه الظروف غیر كافیة لمنحھ الشرعیة على
الصعید الدولي، ففرنسا ومن ورائھا القوى الأوربیة لن تعترف بالسلطان المولى عبد الحفیظ إلا مقابل اعترافھ بكل الاتفاقیات السابقة. لقد كان ھم
السلطان ھو أن یجنب المغرب ما ھو أسوأ، لھذا وتحث ضغط القبائل المغربیة التي تطالب السلطان بتحریر البلاد وضغط القوى الاستعماریة التي
تھدد المدن والقبائل المغربیة بالقصف، یضطر السلطان المولى عبد الحفیظ إلى التوقیع على عقد الحمایة الذي قدمھ السفیر الفرنسي رینو وذلك لیلة
یوم 30 مارس 1912 بالقصر الملكي بفاس؛ وبذلك ینتھي استقلال البلاد المغربیة.
: 2.1 / عقد الحمایة الموقع سنة 1912
یتكون عقد الحمایة من مقدمة وتسعة فصول، وھو موقع من طرف السلطان المولى عبد الحفیظ و السفیر الفرنسي رینو بتاریخ 30 مارس
1912 . أیة قراءة سریعة لمضمون العقد تبین أن نیة فرنسا سیئة ومبیتة ضد المغرب، ففي المواد الأربعة الأولى یتحدث العقد عن النظام الجدید
الذي ستخلقھ فرنسا بالمغرب، وھو نظام یقوم على الأمن الداخلي، وإقامة إصلاحات عسكریة و اقتصادیة، و یمیز العقد حقوق فرنسا، وھي الحق
في احتلال البلاد المغربیة، والتحكم في حدودھا، والتفاوض باسمھا في كل القضایا الخارجیة، بالإضافة إلى حقھا في وضع القوانین وحمایة
السلطان؛ ھذا الأخیر لم یبق من سلطتھ إلا الطابع الدیني والرمزي؛ في المادة 5 یتم التعریف بصلاحیات المقیم العام، والمتمثلة في السیاسة
الخارجیة للبلاد، والمصادقة على القوانین. إن عقد الحمایة یحمل أمورا خطیرة، فھو یقصي النظام المغربي لیعوضھ بنظام جدید ویحول السلطان
إلى وسیلة لتبریر السیاسة الاستعماریة. منح العقد لفرنسا الحق كذلك باستعمال الجیش المغربي لقتل المغاربة باسم حمایة السلطان. فأیة آلیات
ستعتمدھا القوى الاستعماریة في المنطقة الفرنسیة، ثم الإسبانیة، ثم منطقة طنجة الدولیة لفرض ھذا الوضع؟ وكیف سیواجھ المغاربة ھذا الوضع
الجدید؟
2/ حول الاستعمار الأجنبي نظام الحمایة إلى استعمار مباشر :
1.2 / الأجھزة السیاسیة والإداریة للنظام الاستعماري بالمغرب :
أ) منطقة الاستعمار الفرنسي : " لیوطي والسیاسة الأھلیة " یرتبط اسم لیوطي بتاریخ المغرب خلال ھذه الفترة، فعلى یده ثم استكمال الغزو
العسكري الفرنسي للمغرب، وطبق السیاسة الأھلیة - إشراك المغاربة في السلطة -، لقد استھدفت ھذه السیاسة في البدایة خلال الحرب العالمیة
الأولى استقطاب المغاربة وتشغیلھم لسد حاجیات المجتمع الفرنسي، بعد الحرب استھدفت السیاسة الأھلیة كبار الأعیان من خلال إشراكھم في
المجالس البلدیة التي منحت صلاحیات إدارة الأملاك البلدیة ووضع المیزانیة المحلیة وتسییر الأشغال العامة. لقد ضمت ھذه المجالس المسلمین
والیھود من المغاربة وخضعت مباشرة للصدر الأعظم. استمر لیوطي مقیما عاما حتى سنة 1925 ؛ حینھا بدأت فرنسا في تطبیق سیاسة استعماریة
مباشرة تمثل في أجھزتھا المركزیة و الجھویة و المحلیة.
مركزیا : النظام الجدید الذي وضعھ الفرنسیون كان على رأسھ المقیم العام وھو بمثابة رئیس للدولة، یساعده كاتب عام، وھو بمثابة وزیر
أول تخضع لھ مجموعة من المصالح والإدارات الجدیدة مثل المالیة والجمارك و الأشغال العمومیة والفلاحة والصناعة والصحة
والبرید.....أما السلطان فحكومتھ تقتصر على الصدر الأعظم و وزیري العدل و الأحباس.
جھویا : قسم المغرب إلى 6 جھات، الرباط والبیضاء و وجدة وھي جھات مدنیة یشرف على تسییرھا مراقب مدني؛ ثم فاس ومراكش
ومكناس وھي جھات عسكریة یسیرھا ضابط الشؤون الأھلیة.
محلیا : نجد الباشا بالمدن وھو مكلف بتنفیذ القرارات و الظھائر وفك النزاعات الجنائیة والمدنیة والسھر على الأمن والحفاظ على
الأملاك... في البوادي نجد القائد وھو مسؤول عن تحصیل الضرائب وفك النزاعات في القضایا الجنائیة والمدنیة.
ب) التنظیم الإداري في المنطقة الإسبانیة و طنجة : في المنطقة الأسبانیة استحدث الأسبان مندوبیة سامیة إلى جانب خلیفة السلطان، تكلفت
المندوبیة بإدارة شؤون الجزء الشمالي من المغرب، یساعدھا في ذلك إدارات مختصة في شؤون التعلیم والاقتصاد والمالیة، ورغم وجود خلیفة
السلطان إلا أن سلطاتھ كانت صوریة، كما أن الباشاوات بالمدن ظلوا تحث مراقبة القناصل الأسبان. في البوادي كان القواد خاضعین مباشرة
للضباط العسكریین الأسبان.
طنجة : طنجة ذات وضع خاص منذ 1904 ، في 1923 تضع إنجلترا وفرنسا وأسبانیا النظام الإداري الدولي لطنجة ویقوم على 4 ھیئات :
مجلس تشریعي مكون من ممثلین عن المغاربة المسلمین والیھود إلى جانب الأوربیین؛ ثم لجنة مراقبة وتتكون من قناصل الدول الأجنبیة، ودورھا
ھو السھر على تنفیذ النظام الدولي وقرارات المجلس التشریعي، ثم وساطة تنفیذیة یرأسھا مدیر ودورھا ھو تنفیذ قرارات المجلس ومراقبة جمیع
المصالح باستثناء الجمارك، وأخیرا سلطة قضائیة یرأسھا قضاة من الدول الممثلة في لجنة المراقبة.
إن صلاحیات السلطان في إطار ھذا النظام أصبح یمارسھا بواسطة مندوب ینوب عنھ، وتنحصر ھذه السلطة في نشر الأمن، ورعایة
مصالح المسلمین الدینیة والقضائیة وجمع الضرائب، وإلزام المغاربة باحترام النظام الدولي، یساعد المندوب السلطاني قاض وناظر للأحباس.