تقدیم:
مر المشرق العربي خلال القرن 19 بتحولات عمیقة انطلق من الجانب الفكري في البدایة، لیتحول إلى حركة سیاسیة تسعى إلى الإنفصال عن
الدولة العثمانیة وتأسیس كیان قومي عربي. فما ھي ظروف الیقظة العربیة؟ وما ھي آلیات انتشارھا؟ وكیف ساھم السلفیون من جھة والعلمانیون من
جھة أخرى في تحولات المجتمع العربي؟
1/انطلقت الیقظة الفكریة خلال القرن 19 من بلاد الشام نحو مصر
1.1 / بواعث الیقظة الفكریة في بلاد المشرق العربي :
ساھمت عوامل مختلفة في تحقیق الیقظة الفكریة بالمشرق العربي، منھا :
أ) عوامل سیاسیة : مخلفات الثورة الفرنسیة، الإستبداد العثماني، الأطماع الأوربیة، الإصلاحات بمصر وتونس...
ب) عوامل ثقافیة : دور البعثات الطلابیة نحو أوربا، دور الآلیات الثقافیة من مدارس، مطابع، صحافة، الترجمة، الإھتمام باللغة العربیة
وقواعدھا، نشر قیم التسامح بین العناصر العربیة...
ج) اجتماعیة : دور الطبقة الوسطى العربیة، دور البعتاث المسیحیة، إنتشار الشعور القومي العربي، بدایة تحرر المرأة العربیة عن طریق
التعلیم...
2.1 / ألیات إنتشار الیقظة الفكریة في بلاد الشام :
إنتشرت الیقظة الفكریة بشكل سریع داخل بلاد الشام، وتم ھذا الإنتشار بواسطة آلیات متعددة، أھمھا
الجمعیات الثقافیة : ظھرت عدة جمعیات في سوریا ولبنان، وكانت تسعى إلى نشر قیم التسامح بین العرب عن طریق توحید وتؤیب
المثقفین العرب، كما ربطت بین العمل الفكري والدعوة إلى التحرر من الاستبداد العثماني.
الأدب : شكل التألیف والإنتاج الفكري من شعر ومقالة... آلیة أساسیة للتواصل بین العرب ووسیلة لشحن وإثارة الحس القومي لدیھم.
اللغة العربیة : ارتبط إحیاء اللغة العربیة بالدعوة إلى الیقظة العربیة، فالرجوع إلى اللغة العربیة مكن من الإطلاع على الحضارة
العربیة وتاریخ العرب، كما مكن من مواجھة محاولات التتریك.
3.1 / انتقال الیقظة إلى مصر :
أصبحت مصر منذ الحملة الفرنسیة مجالا یستقطب المفكرین والدعاة من كل بلاد المشرق، فقد انتقل العدید من المفكرین من لبنان وسوریا نحو
مصر، حاملین معھم ثقافة جدیدة قوامھا الدعوة إلى التحرر من الدولة العثمانیة ومن التخلف الفكري، فإلى ھؤلاء المھاجرین یرجع الفضل في ظھور
المجلات والصحف دون أن ننسى دور المصلحین المصریین أمثال الطھطاوي، فقد دعا ھؤلاء إلى تحریر المرأة وتعلیمھا وعملوا على نشر العلوم
العقلیة والدعوة إلى تعلمھا. لقد شكلت أفكار ھؤلاء المفكرین والدعاة إطارا نظریا لظھور مشاریع إصلاحیة مست مجال التعلیم والإدارة والاقتصاد
والفكر أھمھا مشروع محمد علي الإصلاحي.
2/ ساھم التیار السلفي والفكر العلماني في تعزیز الیقظة العربیة
1.2 / التیار السلفي :
ینطلق في تحلیلھ لأزمة المجتمع الإسلامي من مرجعیة دینیة، أي النص القرآني والحدیث النبوي الشریف، ویرى أن أزمة المجتمع ھي أزمة
أخلاقیة لھذا فھو یدعو إلى التمسك بالدین واللإقتداء بالسلف الصالح، كما یدعو إلى إتحاد المسلمین. من أھم أعلامھ، الكواكبي الذي اھتم بنقد الفوارق
الاجتماعیة ومحمد عبده الذي اھتم بالدعوة إلى التعلیم والتربیة.
2.2 / التیار العلماني :
ینطلق في تحلیلھ لأزمة المجتمع الإسلامي من مرجعیة غربیة، أي الإنفتاح على أوربا والإستفادة من علومھا ونظمھا السیاسیة، ویرى أن
أزمة المجتمع تتمثل في الإستغلال وغیاب الحقوق والقوانین، لھذا فأفكاره اتجھت إلى نقد اللإستغلال والمطالبة بالمساواة وتنظیم السلطة بوضع
القوانین وانتخاب الھیئات والمؤسسات السیاسیة، كما دعا على فصل الدین عن السیاسة. من أعلام ھذا التیار نذكر فرح أنطوان ودعوتھ إلى التمدن،
وفرانسیس مرش ودعوتھ إلى نبذ الإستغلال، وأدیب إسحاق ودعوتھ إلى الحریة والمساواة والحقوق.
3.2 / بدایة الشعور القومي العربي :
كان من نتائج إحیاء اللغة العربیة والإطلاع على تاریخ العرب أن ظھر إحساس لدى العرب بتمیزھم عن العناصر التركیة، ھذا الإحساس
ستعمقھ الجمعیات بفضل دعوتھا للتسامح العربي ودورھا في الدعوة إلى الحقوق العربیة. إن نمو ھذا الحس القومي سیكون من وراء ظھور جمعیات
أخرى عملت في المجال السیاسي وتبنت الدعوة إلى استقلال البلاد العربیة.[b]