تقدیم:
ظلت منطقة المشرق العربي تشكل مجالا لدولة واحدة تحث النظام العثماني، لكن منذ منتصف القرن التاسع عشر، ستظھر متغیرات
داخل الإمبراطوریة، وعلى الصعید العالمي، كان من نتائجھا انھیار الإمبراطوریة، وتفكك منطقة المشرق العربي إلى دویلات متعددة وبدایة
التسرب الأجنبي داخل الإمبراطوریة. فما ھي ظروف ھذا الانھیار؟ وكیف انتقلت المنطقة من وضعیة الوحدة والنظام السیاسي الواحد إلى وضعیة
التفكك؟
1/ أسباب ومظاھر أزمة الإمبرطوریة العثمانیة :
1.1 / الأزمة الداخلیة والتغلغل الأوربي :
الأزمة داخل الإمبراطوریة مست كل مكونات الدولة :
* سیاسیا : منذ السلطان عبد الحمید سیتوالى على حكم الإمبراطوریة ملوك ضعاف مارسوا الاستبداد، كما أن النظام العثماني القائم على
المركزیة لم یعد قادرا على الاستمرار مع توسع الإمبراطوریة، لھذا فمظاھر الانفصال ستتكاثر وستھدد الإمبراطوریة في وحدتھا
السیاسیة، إذ ستعمل دول البلقان ومن بعدھا دول شمال أفریقیا على الانفصال بدعم من الدول الأوربیة.
* اقتصادیا : یظل النظام الاقتصادي للإمبراطوریة قائما على الضرائب والتي ستشكل مصدرا لعدة اضطرابات، ولم یكن مذخولھا كافیا
لسد المصاریف العسكریة والتي تزایدت بشكل كبیر.
* إجتماعیا : النظام الإداري العثماني لم یعد صالحا في القرن 19 ، فقد عم الفساد والرشوة واستبد الولاة والحكام العثمانیین بالسلطة على
حساب باقي شعوب الإمبراطوریة.
إن ھذا الضعف والتفكك سیتزامن مع بدایة التوسع الإمبریالي، فأوربا وروسیا سیعملان على التغلغل داخل الإمبراطوریة، واعتمدت
الإمبریالیة آلیات متعددة للنیل من سیادة الإمبراطوریة العثمانیة تتمثل في :
- آلیات عسكریة وتتمثل في الھزائم والاتفاقیات الناتجة عنھا خاصة أمام روسیا والنمسا.
- آلیات سیاسیة تتمثل في انتشار الحمایات القنصلیة داخل الإمبراطوریة والضغوط التي أصبحت تمارسھا الدول الأوربیة على الباب
العالي سواء لإنتزاع المزید من الإمتیازات أو اقتطاع أجزاء من تراب الإمبراطوریة وذلك بدعم الحركات الإنفصالیة والمعارضة.
- آلیات اقتصادیة تتمثل في الدیون التي أزمت میزانیة الدولة والبضائع الأوربیة التي أغرقت الأسواق المحلیة وأثرت سلبا على الحرفیین
والفلاحین والتجار داخل الإمبراطوریة.
- آلیات دینیة وثقافیة تتمثل في الإرسالیات والبعثات المسیحیة والتي استھدفت الأقلیات داخل الإمبراطوریة، فالدول الأوربیة وروسیا
والولایات المتحدة الأمریكیة، كلھا ستسعى إلى التسرب بدعوى نشر المدارس والمستشفیات. لقد اعتنق المسیحیة خلال ھذه الفترة آلاف
المسلمین، ھذه الفئة ستشكل سندا للاستعمار في الفترات القادمة.
2.1 / مظاھر أزمة الامبراطوریة العثمانیة :
الأزمة كانت عامة داخل الإمبراطوریة، ومست كل مكونات المجتمع العثماني، فعلى المستوى الاقتصادي لم تعد وسائل الإنتاج في
الفلاحة والصناعة والحرف قادرة على التطور بفعل المنافسة الخارجیة وانتشار الفقر وتفاحش الضرائب وتراجع النشاط التجاري. أما على
المستوى السیاسي، فنظام الدولة القائم على الاستبداد لن یصمد أمام دعوات الحریة والمساواة، كما أن نظام الحكم المطلق لن یعد قادرا على
ضمان وحدة الإمبراطوریة وسیادتھا. على مستوى الفكري، كان المجتمع العثماني مجتمعا غارقا في التقلید، بعیدا عن مستجدات العلم والفكر
الحر.
2/ سقوط الإمبراطوریة العثمانیة وتقسیم المشرق العربي
1.2 / ھزائم الحرب العالمیة الأولى :
سیزداد الاستبداد العثماني خلال الحرب العالمیة الأولى، ویزداد معھ تضرر الفئات الغیر عثمانیة داخل الإمبراطوریة وھي كثیرة جدا،
في نفس الوقت ستزداد أھمیة منطقة المشرق العربي في إطار الصراع العسكري بین الدول الأوربیة، فإنجلترا المتخوفة من التقارب الألماني
العثماني ستعمل على كسب العرب إلى جانبھا ضد الإمبراطوریة العثمانیة، وفي ھذا الإطار ستتم عدة مراسلات واتصالات بین الانجلیز