يُعدّ الدكتور علي عوض شراب، الحاصل على شهادتي الدكتوراه في علم النفس والعلاقات الإنسانية، و الماجستير في إدارة الموارد البشرية والتدريب، وأستاذ التنويم الإيحائي، والأستاذ الممارس في البرمجة اللغوية العصبية، والمتخصص في أسرار القوة الذاتية، واحداً من المدرّبين المتميّزين في حقل العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة، وفي ميدان العلاقات الأسريّة والزوجيّة.
مؤخراً، حلّ الدكتور شراب ضيفاً على مكتب حرم سموّ رئيس الدولة لشؤون المواطنات والخدمة الاجتماعية، ضمن أسبوع (الطاقة والحياة)، قدم خلاله دورات متخصصة في تنمية القدرات، واكتشاف الطاقات الخفيّة، وكيفيّة التعامل مع الزوجة والأبناء... وغيرها من الموضوعات الأسريّة والاجتماعيّة.
على هامش هذه الرحلة المشحونة بطاقة الإرادة والرغبة في التغيير نحو الأفضل، الداعية إلى ضرورة الانسجام بين داخل الإنسان وخارجه، التقت «مودة« «مهندس التغيير« الدكتور علي عوض شراب في هذا الحوار...
مودة:
ما الهدف من وراء اهتمامك بالتنمية البشرية؟
د. شراب:
نحن عندما نعطي الآخرين فلا شك أننا نعطي أنفسنا، والعكس كذلك صحيح، لكن السؤال هو:
أين تكون البداية.. وأين هي نقطة الانطلاق؟ هل ننطلق من عطاء الآخرين دون أن نهتم بأنفسنا.. أو نهتم بأنفسنا من أجل أن نعطي الآخرين؟
المسألة لا تنطلق من المقولة الشائعة: (أيهما يسبق البيضة أو الدجاجة).. وتبقى تدور في فلك الجدل الفلسفي، وإنّما ترتبط برؤية إسلامية معروفة ومفروغ منها، وهي أنّ الإنسان مسؤول عن الناس.. وعن أهله.. وعن بلده.. لكن المسؤولية الأولى تبدأ عند الذات .
وهذا يعني أنّك مسؤول عن ذاتك دائماً، وهذه من الأمور التي تتكرر في الرؤية الإسلامية، وأنت تعرفين أنّ صاحب الصدقة أولى بها إن كان محتاجاً لها، وكذلك صاحب الزكاة، فإصلاح الإنسان لنفسه وتقويمه لها سيؤدي إلى إصلاح الآخرين وتقويمهم.
ومن الخطأ أن يهتم الواحد منا بالآخرين دون أن يهتم بنفسه، علماً أنّ الاهتمام بالآخرين واجب بل يُعدّ بيت القصيد، ولكن علينا أن نقول إنّ الاهتمام بالآخرين لا بدّ له من أساس وهو الاهتمام بالنفس.
مودة :
«أنا مسؤولة عن ذاتي ومهتمة بتطويرها، وهذا ما يدفعني لأن أجلس قبالتها وأبدأ حواراً داخليّاً معها«.. فهل هذا مطلوب فعلاً؟
د. شراب:
الحوار الداخلي يتطلّب أن يكون الإنسان في تواصل مع نفسه، ولأضرب مثلاً على ذلك:
هل يمكن لك أن تتخيلي حياتك مع زوجك أو ابنك دون حوار يجمعكم؟ هذا غير طبيعي ولو وقع فإنه يشكل خللاً ما. وهنا أسأل أيّ من الأمرين أقرب للإنسان: ذاته أم زوجه؟ من المؤكد أنها الذات. من هنا تنبع أهميّة الحوار بيننا وبين ذواتنا، وفي حال غيابه فإنّ خللاً ما يصيب علاقتنا بأنفسنا.
والحوار هو مفتاحنا وطريقنا لكي نتواصل مع ذاتنا.. ولكن هل التواصل هو مجرد كلام.. أو الجلوس مع النفس والتحاور معها؟
الحوار يجعلك تفهمين الطرف الذي تحاورينه، و تعرفين ماذا يريد وماهي احتياجاته، وتعرفين كيف تشبعين هذه الحاجات. الحوار يكشف لك جوانب هذه الشخصية التي تحاورينها، وكيف نستطيع أن نطور.. أو نحسّن.. أو نتحكّم.. أو نسيطر على مشاعرنا وأفعالنا وتصرفاتنا وسلوكنا دون أن نتحاور معها؟
كيف نستطيع أن نكتشف ذواتنا دون الحوار مع النفس؟ أنا لا أفترض أنّ هناك شكلاً معيّناً من أشكال الحوار لا بدّ أن يتم، المهمّ هو استمراريّة الحوار مع الذات حتى نستطيع أن ننطلق في اكتشاف أنفسنا.
مودة:
هل لنا أن نحدّد أهميّة الحوار مع الذات؟
د. شراب:
الحوار مع الذات يعطينا الثقة بالنفس، ويمنحنا الإيمان بقدرتنا على فعل الأشياء وتحقيقها، ويقدّم لنا دلالات ومعاني حول بناء هذه النفس وتكوينها واكتشاف ما فيها. يقول اللّه سبحانه وتعالى: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُون} /الذاريات:21/.
وهذا التبصّر هو شكل من أشكال الحوار.. فأن تتفكّر وترى ما في داخل النفس كلّ هذا حوار.. وعندما يتم الحوار يتم إصلاح الخلل حيثما كان.
مودة:
وما هي الدوافع الكامنة وراء المشاركة في الدورات المتخصصة، هل هي للتغيير أم بهدف التعرف على نمط الشخصية؟
د. شراب:
كأنك تقولين لي حتى نجني الثمرة هل نغرس الشجرة أوّلاً أو نزرع البذرة؟ في الحقيقة أنّ اكتشاف الذات هو بداية التغيير والتغيير لا يصبح حقيقياً وقويّاً إلا عندما نكتشف ذواتنا، فاكتشاف الذوات هو المفتاح للتغيير، والحوار هو بالفعل مفتاحنا لاكتشاف ذواتنا. واكتشاف الذات يجعلنا أكثر إمكانية وقدرة على الوصول إلى أعماقها والتأثير فيها ومن ثمّ تغييرها.
مودة:
لوحظ أنّ معظم جمهور هذه الدورات من النساء، مقابل ضعف مشاركة الرجال.. الذين يعتقدون أنهم ليسوا بحاجة إلى مثل هذه الدورات.. كيف تفسّر هذا الأمر؟
د. شراب:
قضية الصراع بين الرجل والمرأة تأخذ اتجاهات كثيرة، واحد منها أننا نفرق بين سلوك المرأة وسلوك الرجل، وننسب هذا الفرق إلى شخصية كلّ منهما. أنا لست من أنصار هذا الاتجاه في الحقيقة، ولا أميل إلى التعميم. صحيح أنّ فئة النساء أكثر اهتماماً بهذه الدورات، ولكن هذا ليس لأنهن نساء، ولا يكمن سبب عدم الحضور المكثف للرجال في أنهم رجال، لكن لأنّ كلّ إنسان يحمل آلية في التفكير تدفعه إلى التعلم أو إلى عدم التعلم.
والرجل الذي يظنّ أنه لا يحتاج إلى مثل هذه الدورات ربّما يعتقد أن لديه ما يكفيه من المعلومات أو من الخبرة في الحياة، وكذلك الأمر بالنسبة المرأة التي تفكر في عدم حضور هذه الدورات فقد ترى هي الأخرى أنّ لديها ما يكفيها من العلم والمعرفة والخبرة.
وربما هناك أسباب أخرى جانبية يطول البحث فيها ولكنني أؤمن أن الإنسان عدوّ ما يجهل، فعندما يأتي الرجل أو المرأة للمشاركة في هذه الدورات، أو بهدف الاطلاع على الكتب المتخصصة في الشؤون الأسرية والزوجية فلأنهم يدركون بالفعل أنّ ذواتهم بحاجة إلى التغيير.
مودة:
الرغبة في تغيير الذات.. هل هي رغبة في المصالحة معها.. أم تكوين إنسان "سوبر"؟
د. شراب:
الهدف من هذه الدورات هو تكوين إنسان متوافق مع أفكاره ومنسجم مع قناعاته، وهذا الاتساق والانسجام ينشىء شخصاً أو أشخاصاً قادرين عل تحسين حياتهم وأوطانهم وأممهم، والغاية النهائية أننا نهدف إلى الرفع من كفاءة التفكير والعمل. ولكن.. أن يصل إلى درجة «سوبر«.. كما تقولين.. فنحن نتمنى أن نكون في مجتمع كله «سوبر« فكلما ارتفعت أعداد البارزين والمتفوقين فيه يعتبر مجتمعاً ناجحاً ومتميزاً.
مودة:
كيف يمكن للعبادات أن تكسبنا الطاقة.. وهو ما أشرتم إليه من خلال دورة " أسرار الطاقة في حياتنا اليومية " ؟
د. شراب:
الحقيقة أنّ كل هذه العلوم هي علوم اللّه سبحانه وتعالى في الأرض، ولا يوجد منها علم خارج علم اللّه سبحانه وتعالى، وما دامت هي علوم من علوم اللّه فلا شك أنها ذات ارتباط من زاوية أو من أخرى بالشريعة.. وكتاب اللّه تعالى.. وسنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.
وإذا نظرنا إلى هذه العلوم وتأملنا فيها نجد أنّ لها صلة قريبة أو بعيدة.. بشكل أو بآخر.. بكتاب اللّه تعالى، وكلّ ما هنالك أنني لا أنظر لها نظرة مجرّدة ولكن من واقع قيمي ومبادئي وأقوم بالربط بينها على هذه الأسس.
مودة:
من واقع خبرتكم العمليّة.. ما هي الدلائل والاستشهادات التي يحبذها المتلقون خلال الدورات؟
د. شراب:
أنا أتعامل مع شرائح متعددة فهناك فئات تميل إلى الإحصاءات والأرقام والعقل والتحليل، وربط السبب بالنتيجة، وفئة تميل إلى ربطها بالدين والآيات الكريمة والأحاديث الشريفة.. ودور المدرب المؤثر أن يكون قادراً على إرسال هذه المعلومات إلى كلّ الفئات.
مودة:
وماذا عن الاستشهاد بالقصص.. والأحداث..والأمثلة التي يلجأ إليها بعض المدرّبين؟
د. شراب:
القصص هي إحدى الأدوات الجيّدة في الشرح.. ولكن الإغراق في سردها أحياناً يجعل المعلومة لا تنتقل بالشكل الواضح والمباشر.. وكثير من الناس لا يستطيع استيعاب المغزى الذي تمثله القصة.. لذلك أنت بحاجة إلى أن تكون معلومتك شبه علمية لتثبيت الفكرة.
مودة:
وهل ترى أنّ الدورات والمحاضرات هي الجرعة الكافية لتوعية المجتمع؟
د. شراب:
لا توجد معرفة تقتصر على أسلوب واحد من أساليب التعليم، والدورات هي أسلوب من أساليب التعليم بل هي أسلوب قوي وفعال ومن أفضل الأساليب.. ولكنها ليست الأسلوب الوحيد. وعلى المتدرب أن يتجه إلى التطبيق والقراءة المتواصلة بعد انتهائه من الدورات حتى يظل على اتصال بهذه المعلومة. باختصار علينا ألا نتوقف عن التلقي، ومن جهتي ستكون لي إصدارات مكتوبة وسمعية تتعلق موضوعاتها بالتنمية البشرية، والذات، وهندسة التغيير، وأيضاً حول الصراعات والخلافات، وعدم احترام الآخر، واتهام الناس لبعضهم بعضاً.
مودة:
أليس حريّاً بالمتزوّجين أن يضعوا الأهداف المشتركة التي تهتم بتطوير الذات؟
د. شراب:
يحقق الرجل والمرأة أهدافهما عندما يقتنعان أنّ حياتهما الزوجية مشتركة.. وأنهما يشكلان حياة تكاملية لا حياة صراعات.. حياة تقوم على الرغبة في التوافق. إذا تذكّر كلّ من الرجل والمرأة أنهما يكملان بعضهما.. وأنّ ما ينقص أحدهما يتوفر عند الآخر أصبحت الحياة سهلة، واحترم كلّ منهما الآخر، برغم اختلافاتهما التي تظهر أن البيت يحتاج إلى التفكير الشعوري، كما يحتاج أيضاً إلى التفكير العملي.
يحتاج الرجل عواطف المرأة لأنها تجعل الحياة ذات بهجة، كما يضفي بأسلوبه العملي على الحياة قيمة ومغزى.
عندما نسعى من أجل الحصول على شهادة الدكتوراه هل يمكن لنا تحقيقها في الجانب العقلي والعلمي البحت.. أم أنّنا بحاجة إلى جوانب شعورية تدفعنا نحو هذا الإنجاز؟.
فإذا كان للرجل هدف عظيم يسعى لتحقيقه، فإنه يحتاج إلى الجانب العاطفي.. والوجداني لدى المرأة بالإضافة إلى أحاسيسها الرقيقة.. وكذلك الأمر بالنسبة للمرأة فإنها تحتاج الجانب العقلي التخطيطي والتنظيمي والعملي والواقعي عند الرجل عندما تسعى لتحقيق أهدافها.
ويمكن القول إنّ النجاح يكمن في توظيف كلّ من الزوج والزوجة لطاقاتهما خدمة للطرف الآخر وللبيت الذي يضمّهما.. وإذا لم يكن هناك اتفاق على هذه الأدوات بداية لا يمكن الوصول إلى أهداف مشتركة.
مودة:
أتيتم على ذكر نظرية «التكامل في الزواج« ولكن هذا ليس حال كل الأزواج فمنهم المتقابل ومنهم الشبيه.. هل من توضيح لهذه المسائل؟
د. شراب:
أعتقد أنّ حياة المتزوّجين الذين لا يكمّلون بعضهم بعضاً ستكون صعبة، وأن هذا الخلل في بنية الرجل والمرأة وعدم وضوح الأدوار بينهما يؤدي في النهاية إلى انهيارات البيوت. فكل طرف منهما يرى برؤيته هو، ويعتقد دائماً أنّه على صواب، وأنّ الآخر على خطأ.. وهذه أولى علامات الفشل في العلاقة الزوجية. وعندما يقع الخلل في هذه النقطة تقع المشكلات وتكثر الخلافات، لذا وجب على المجلات التي تهتم بالأسرة وسعادة أفرادها أن تنير درب المقبلين على الزواج وتوضح لهم أساليب الاختيار .
مودة:
تحدثتم كذلك عن ضرورة الوعي بالاختلافات بين الرجل والمرأة.. لا سيّما في الميول والطباع وطرائق التفكير.. السؤال هنا: لماذا لا نستحضر هذا الوعي وقت الخلافات؟
د. شراب:
السبب هو أننا نعرف ولا نطبق، وهذا يؤدي إلى الفشل في الحياة، فليست العبرة بكمّ المعرفة التي نملكها لكنّها في نجاحنا في أمور الحياة.. وهي أيضاً في كمّ الأدوات التي نملكها عملياً وواقعياً والتي تساعدنا على النجاح في الحياة.
لتكن معرفتي بسيطة ولكن لتكن لديّ القدرة على تحويلها إلى أدوات عمل في الحياة كي تصبح جزءاً منها، وبالتالي أجعل الحياة أكثر إضاءة واستقراراً وإشراقاً.
لهذا السبب أقول إنّ الدورات تساعد على وضع المعرفة موضع التطبيق وتجعلها جزءاً من الواقع؛ فالرجال والسيدات الذين يعلمون ولا يطبقون يحتاجون إلى إصلاح هذا الخلل وهذا ما يقودنا إلى تطوير حياتنا وتحسينها.
مودة:
لكن بعض الناس يقول إنه لا يستطيع أن يتمالك نفسه أثناء الغضب.. وينسى دفعة واحدة كلّ ما تعلّمه؟
د. شراب:
مهما قدمنا من مبررات تبقى حقيقة أننا فشلنا في التطبيق.. ولا مبررات للفشل في التطبيق إلا تصحيح التطبيق.