نموذجين للعلاقة مع الغير هما : الصداقة والغرابة.
المحور الثالث:العلاقة مع الغير.
هل العلاقة مع الغير هي علاقة تكامل أم تنافرظ
تتنوع العلاقة مع الغير وتختلف، فهي إما أن تكون علاقة اختلاف وعداوة أو علاقة صراع...وعلى أساس هذه العلاقة الشائكة مع الغير، يمكن أن تتفرع أنواع أخرى من العلاقات، مثل علاقة الإقصاء وعلاقة القبول وعلاقة التسامح والتعاطف و..و..و...
وفي هذا السياق يرى كانط أن علاقة الصداقة هي أسمى وأنبل العلاقات الإنسانية،لأنها قائمة على الاحترام المتبادل.وأساسها الإرادة الأخلاقية الخيرة.فالصداقة باعتبارها واجبا أخلاقيا، تشترط وجود المساواة وعلاقة التكافؤ، وهي أيضا نقطة تماس بين الحب والاحترام.وهذا ما يمنح الإنسان توازنه وعدم الإفراط سواء في الاحترام أو الحب.
أما أفلاطـون فيعتبر أن علاقة الصداقة تنبثق من الحالة الوجودية الوسط التي تطبعوجود الإنسان، وهي حالة وسط بين الكمال المطلق والنقص المطلق تدفع الإنسان إلىالبحث الدائم عما يكمله في علاقته مع الآخرين... فالكمال الأقصى يجعل الإنسان فيحالة اكتفاء ذاتي لا يحتاج فيها إلى الغير، وفي حالة النقص المطلق تنعدم لديهالرغبة في طلب الكمال والخير. من هنا تقوم الصداقة كعلاقة محبة متبادلة يبحث فيهاالأنا عما يكمله في الغير، يتصف فيها كل طرف بقدر كاف من الخير أو الكمال يدفعه إلى طلب كمال أسمى، وبقدر من النقص الذي لا يحول دون طلب الكمال .
لكن أرسطـو يرى أن الصداقة كتجربة معيشية وواقعية لا تقوم على الحب بمعناه الأفلاطوني فقط, بل توجد ثلاثة أنواع من الصداقة تختلف من حيث طبيعتها وقيمتها. فالنمطان الأولان(المنفعة/المتعة) متغيران نسبيان يوجدان بوجود المنفعة والمتعة ويزولان بزوالهما , ومن ثم فهما لا يستحقان اسم الصداقة إلا مجازا. والنمط الثالث(الفضيلة) يمثلالصداقة الحقة لأنه يقوم على قيمة الخير والجمال لذاته أولا ثم للأصدقاء ثانيا. وفيإطار صداقة الفضيلة تتحقق المنفعة والمتعة ليس كغايتين بل كنتيجتين. غير أن هذاالنمط من الصداقة نادر الوجود. ولو أمكن قيامه بين الناس جميعا لما احتاجوا إلىالعدالة والقوانين .
غير أن هيجل يؤسس للعلاقة بين الذات والغير،انطلاقا من الجدل القائم على ثنائية العبد والسيد.فكل وعي في نظره يدخل حتما في علاقة معينة مع وعي آخر،يبحث من خلالها عن الاعتراف بسيادة وعيه.إلا أن هذا الاعتراف عندما يتم،بعد انتهاء الصراع بين النوعين يفقد معناه لأنه صادر عن وعي العبد.الأمر الذي يستدعي وعي السيد إلى البحث عن صراع جديد واعتراف جديد.
خلا صـة تركيبيـة:
إن التفكير في مفهوم الغيريكشف عن إشكالية فلسفية متعددة الأبعاد نظرا لطبيعة العلاقة المركبة بين الأناوالغير .
فعلى المستوى الوجودي يتحدد وجود الغير كضرورة لوجود الأنا حسـبالتصـور الجدلـي (هيجل) في مقابل التصور الذاتي الذي يتم فيه استغناء الأنا عن وجودالغير (ديكارت).
وعلى المستوى المعرفي تفتح علاقة الأنا بالغير على عدة زوايامن النظـر انعكسـت فـي الخطابات التي تتحدد فيها هذه العلاقة كعلاقة تشييئية(سارتر) أو كعلاقة مشاركة وجدانية (ميرلو بونتي) تجعلان معرفة الغير تطرح معضلات لاحل لها... وذلك في مقابل تصورات أخرى تسعى إلى تجاوز هذه الصعوبات من خلال إضفاءطابع كلي (شيلر) أو بنيوي (دولوز) على الغير .
وعلى مستوى العلاقة الأخلاقيةالوجدانية، يلاحظ أن التواصل مع الغير قد يتخذ أشكالا مختلفة كما يتجلى ذلك فيسيادة نظرة الهيمنة والإقصاء قديما في مقابل النظرة الفلسفية المعاصرة التي تحاولتأسيس هذه العلاقة على الحوار والاختلاف أو التكامل والمغايرة