تمهيـــــد:
يعتبر أحمد المعداوي ( أحمد المجاطي) من أهم الدارسين للشعر العربي الحديث بصفة عامة و ما يسمى بشعر التفعيلة بصفة خاصة إلى جانب نازك الملائكة وعز الدين إسماعيل وإحسان عباس ومحمد النويهي وغالي شكري وناجي علوش وكمال خير بك وريتا عوض و أدونيس ومحمد بنيس .
وقد تميز أحمد المعداوي في دراساته الأدبية والنقدية ولاسيما في كتابيه:" ظاهرة الشعر الحديث" و" أزمة الحداثة في الشعر العربي الحديث" بخبرة كبيرة في الطرح والتحليل وجدية المقاربة التي تجمع بين التأريخ والتنظير والتحليل وممارسة النقد وتقويم الآراء المخالفة.
ويلاحظ أن المعداوي كان ينطلق في قراءاته من رؤية شاعر محنك في مجال شعر التفعيلة، ومن تصور أستاذ جامعي له ممارسة طويلة في مجال تدريس الآداب و فقه اللغة وعلومها واستيعاب علم العروض والقافية استيعابا جيدا؛ وكل هذا أهله ليكون من أهم الشعراء النقاد العرب الذين تناولوا شعر الحداثة أو شعر التفعيلة بالدرس والتمحيص إلى جانب مجموعة من الشعراء النقاد نذكر منهم: أدونيس ومحمد بنيس وإلياس خوري وعبد الله راجع على سبيل التمثيل.
وسنركز في هذه الدراسة على كتاب " ظاهرة الشعر الحديث" لمدارسته ونقده مضمونا وشكلا ومنهجا وتصورا.
أ- من هو أحمد المعداوي؟
ولد أحمد المعداوي سنة 1936م بالدار البيضاء، وتلقى دراسته الابتدائية والثانوية بين الدار البيضاء والرباط،. وحصل على الإجازة في الأدب العربي من جامعة دمشق، كما نال دبلوم الدراسات العليا من جامعة محمد الخامس بالرباط سنة 1971م تحت إشراف الدكتور أمجد الطرابلسي، وكان موضوع الرسالة هو:" حركة الشعر الحديث بين النكبة والنكسة( 1947-1967م)"، كما حضّر دكتوراه الدولة حول أزمة الحداثة في الشعر العربي الحديث، ونوقشت الأطروحة كذلك بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط.
هذا، وقد مارس أحمد المعداوي الملقب بأحمد المجاطي كتابة الشعر والنقد، كما امتهن التدريس بجامعة محمد بن عبد الله بفاس منذ 1964م ، و بعد ذلك انتقل للتدريس بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط،، وكان من المؤسسين الأوائل لحركة الحداثة في الشعر بالمغرب، وقد فاز بجائزة ابن زيدون للشعر التي يمنحها المعهد الإسباني/ العربي للثقافة بمدريد لأحسن ديوان بالعربية والإسبانية لعام 1985م على ديوانه الشعري" الفروسية" . كما فاز بجائزة المغرب الكبرى للشعر سنة 1987م، وانتخب رئيسا لشعبة اللغة العربية بكلية الآداب بالرباط منذ 1991م، وكان عضوا بارزا في تحرير مجلة" أقلام" المغربية التي كان يترأسها كل من عبد الرحمن بن عمرو وأحمد السطاتي ومحمد إبراهيم بوعلو، ومثل المغرب في مهرجانات عربية عدة.
وقد كتب المجاطي عدة مقالات وقصائد شعرية كانت تنشر بعدة صحف وملاحق ثقافية كجريدة "العلم"، وجريدة "المحرر"، وجريدة "الأهداف" المغربية، ومجلة "آفاق"، ومجلة" المعرفة" و"الثورة العراقية " و"أنفاس" و"دعوة الحق"، ومجلة " شروق"، ومجلة " الآداب" اللبنانية...
وبدأ أحمد المعداوي كتابة الشعر منذ الخمسينيات من القرن العشرين عندما كان طالبا بالثانوي، فكتب قصائد شعرية عمودية وقصائد رومانسية تأثر فيها بشعراء الديوان وأپولو وشعراء المهجر لينتقل بعد ذلك إلى كتابة الشعر المعاصر مع مجموعة من الشعراء المغاربة الذين سيصبحون في فترة الستينيات هم المؤسسون الحقيقيون لشعر التفعيلة في المغرب وهم: محمد السرغيني وعبد الكريم الطبال ومحمد الميموني وعبد الرفيع الجواهري وأحمد الجوماري وبنسالم الدمناتي وأحمد صبري وعبد الإله كنون ومحمد الخمار الكنوني ومحمد .ع.الهواري. وقد سماهم محمد بنيس في كتابه" ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب" بشعراء السقوط والانتظار"، بينما سيسمي تابعه عبد الله راجع شعراء السبعينيات بشعراء المواجهة والتأسيس أو شعراء الشهادة والاستشهاد.
و توفي أحمد المجاطي سنة 1995م بعد سنوات زاهرة بالعطاء التربوي والبيداغوجي ،ومزدانة بالعمل والاجتهاد والإبداع والكتابة والنقد.
ب- بنية كتاب" ظاهرة الشعر الحديث":
يحوي كتاب " ظاهرة الشعر الحديث" 171 صفحة من الحجم المتوسط بمقاس20.5 سم في13.5 سم، ويضم كذلك قسمين رئيسيين: القسم الأول بعنوان: نحو مضمون ذاتي، والقسم الذاتي بعنوان: نحو شكل جديد. أما عدد الفصول فهي أربعة، وهي:
الفصل الأول: التطور التدريجي في الشعر الحديث؛
الفصل الثاني: تجربة الغربة والضياع؛
الفصل الثالث: تجربة الحياة والموت؛
الفصل الرابع: الشكل الجديد.
ويلاحظ أن الكتاب تلخيص وتمطيط لما قدمه أحمد المعداوي في رسالته الجامعية المعنونة "حركة الشعر الحديث بين النكبة والنكسة( 1947-1967م)"، وما كتبه في أطروحته الجامعية عن "أزمة الحداثة في الشعر العربي الحديث"، ولاسيما الفصل الثالث منه والذي الذي سماه بالرسالة الشعرية. ويعني هذا أن الكتاب ماهو إلا توفيق بين أطروحاته الواردة في رسالته الجامعية وأطروحته التي أعدها لنيل دكتوراه الدولة في الأدب العربي الحديث.
5- مضــــامين الكتــــــــــاب:
القسم الأول: نحــــو مضمــــون ذاتـــــي
الفصل الأول: التطور التدريجي في الشعر الحديث
الشعر العربي القديم:
يخضع التطور في الشعر العربي – حسب أحمد المعداوي- إلى أمرين مهمين، وهما: الحرية والاحتكاك بالثقافة الأجنبية. ولم يتحقق هذا التطور في الشعر القديم إلا جزئيا في العصر العباسي مع مجموعة من الشعراء الذين رفعوا لواء الحداثة الشعرية وراية التحول وهؤلاء هم: أبو نواس وأبو تمام والمتنبي وأبو العلاء المعري، كما تحقق هذا التطور فنيا في شعر الموشحات الأندلسية على مستوى الإيقاع العروضي.
وعلى الرغم من ذلك ، فقد بقي هذا التجديد ضئيلا بسبب هيمنة معايير القصيدة العمودية التي كان يدافع عنها نقاد اللغة. وفي هذا الصدد يقول أحمد المجاطي:" غير أنه لابد من القول بأن الشاعر العربي لم يكن يتمتع من الحرية بالقدر المناسب، ذلك أن النقد العربي قد ولد بين يدي علماء اللغة، وأن هؤلاء كانوا أميل إلى تقديس الشعر الجاهلي، وأن المحاولات التجديدية التي اضطلع بها الشعراء في العصر العباسي، لم تسلم من التأثر بتشدد النقد المحافظ. لا، بل إن هذا النقد هو الذي حدد موضوع المعركة، واختار ميدانها، منذ نادى بالتقيد بنهج القصيدة القديمة، وبعدم الخروج عن عمود الشعر، فأصبح التجديد بذلك محصورا في التمرد على هذين الشرطين، وفي ذلك تضييق لمجال التطور والتجديد في الشعر العربي."
ومن هنا، يتبين لنا أن الشعر العربي القديم، لم يحقق تطورا ملحوظا بسبب انعدام الحرية الإبداعية وقلة الاحتكاك بالآداب الأجنبية؛ مما جعل الثبات أوالمحافظة على الأصول هو المهيمن على الشعر العربي القديم ونقده بالقياس مع خاصة التجديد و التحول والتطور.
ا