درس : المغرب الاستغلال الاستعماري في عھد الحمایة
تقدیم:
لقد جاء عھد الحمایة لیقرر مصیر المغرب لمدة تناھز نصف قرن، وتوجد آثاره حتى الیوم في مجتمعنا، وقد یخطر ببال القارئ لعقد
الحمایة أن الحكومة الأجنبیة لھا نیة ممدوحة، إذ تتعھد بأن تكف عن أي مساس بسیادة المغرب، غیر أن ھذه الحمایة كانت مزعومة، ففرنسا و
أسبانیا تجندتا لإستغلال المغرب وتنظیمھ بشكل یسھل إدراجھ في السوق الرأسمالي، وقد مس ھذا الاستغلال تركیبة المجتمع المغربي في عمقھ،
حیث حكم على البلاد بالتبعیة و تجمید عوامل التطور والتجدید، مما خلف في النھایة الفقر والتناقض والتخلف. فما ھي الآلیات التي استعملھا
المستعمر لتسھیل وتمكین ھذا الاستغلال؟ وما ھي مظاھره ؟ وأیة نتائج خلفھا داخل بوادي المغرب ومدنھ؟
1/ أستعمل الاستعمارالاجنبي آلیات مختلفة لإستغلال البلاد المغربیة :
1.1 / آلیات الاستغلال :
- آلیات إداریة : وتتمثل في المصالح كالأمن و الجمارك و غیرھا من الوزارات والإدارات.
- آلیات مالیة : وتتمثل في بعض المصالح والوكالات مثل مصلحة التجارة والصناعة، وھي مصلحة تقوم بالتوثیق والإعلام
الاقتصادي. وكالة المغرب بباریس و دورھا ھو التعریف بالإمتیازات الممنوحة للمستثمرین الأجانب بالمغرب.
- آلیات سیاسیة : تتمثل في الإقامة العامة الفرنسیة والمندوبیة السامیة الإسبانیة، و یساعدھما مجموعة من ھیئات من الخبراء من
مجالات متعددة.
- آلیات تجھیزیة : وتتمثل في الطرق والسدود و وصل المدن بالكھرباء، و ھي تجھیزات كانت تتم في مناطق یستوطنھا ویستغلھا
المعمرون.
- آلیات بشریة : وتتمثل في تشجیع الإستیطان والتعمیر بھدف توفیر ظروف مشجعة للإستغلال.
- آلیات عقاریة : وتتمثل في تملیك الأراضي للأجانب، ھي الأراضي انتزعت بالقوة من المغاربة و حولت إلى المستوطنین الأوربیین.
2.1 / مظاھر الاستغلال :
- في الفلاحة : ھناك أراض قد فوتت للأجانب قبل 1912 و بعد التوقیع على عقد الحمایة استمر عملیة تفویت الأراضي الزراعیة
وبطرق مختلفة ابتداء من الترامي على أملاك الأحباس والكبش ثم بواسطة التخفیض العقاري وانتھاء بحل الأراضي الجماعیة -
-1919 وتفویتھا للمستثمرین الأجانب ولملاك خاصین، وقد اتخذ الأستعمار الفلاحي شكلا رسمیا أي أراضي في ملكیة إدارة الحمایة –
مصلحة الإستیطان- ثم انتزاعھا من الأحباس والمخزن. إلى جانب استعمار خصوصي مثلتھ الشركات التي حولت ارضي السایس
والشاویة والغرب والحوز لصالحھا عن طریق الشراء.
سواء في أراض الاستعمار الخاص أو الرسمي فإن إدارة الحمایة قد وفرت القروض والتقنیات والبنیات التحتیة وظھر في البدایة تحسن
في الإنتاج الفلاحي المغربي لكن مع الحرب العالمیة الثانیة لجأت فرنسا إلى مصادرة الإنتاج لتغذیة شعبھا، مما خلف أزمة خطیرة
بالمغرب تمثلت في ظھور المجاعة والأمراض وتقنین التموین –عام البون-
- في الصناعة : المستعمر لم یخلق بنیة صناعیة بالمغرب، بل حول المؤھلات المغربیة إلى مقاولین أجانب استفادوا من رخص الید
العاملة والمواد الأولیة لیحققوا أرباحا خیالیة، واقتصر النشاط الصناعي على مواد البناء و الصناعة الغذائیة والنسیج. أما الصناعة
التجھیزیة و المیكانیكیة فضلت ضعیفة ومرتبطة بسد حاجیات الجیش الأجنبي والجالیات الأوربیة بالمغرب.
- في الحرف : خلق المستعمر أنشطة حرفیة في النسیج و الزرابي والجلود واستعمل التقنیات والآلیات، كما استفاد من رخص الید
العاملة، فشكل بذلك منافسا للحرفي والحرفة المغربیة، وتم إغراق السوق المغربي بالمنتجات الفرنسیة و الأوربیة.
- المعادن : انطلق إنتاج وتصدیر المعادن المغربیة منذ 1914 وأسست فرنسا لھذا الغرض مكتب الأبحات والمساھمات المعدنیة، لكن
كل الإنتاج كان یصدر خاما.
- في التجارة الخارجیة : سیطرت الرسامیل الأوربیة بشكل مطلق، وظل المغرب یزود فرنسا بالمواد الأولیة الخام ویستورد المواد
المصنعة والغذائیة، كما ظل العجز في المیزان التجاري كبیرا.
2 / خلف الاستغلال الاستعماري التخلف والبؤس في البلاد المغربیة :
1.2 / في البوادي :
أدخل المستعمر نمط إنتاجھ الرأسمالي القائم على الملكیة الخاصة والتعامل النقدي، واضطر الفلاح المغربي أمام الظلم والاستبداد و
تفاحش الضرائب إلى بیع أرضھ، كما اضطر الرعاة إلى البحث عن نشاط آخر أمام تقلص المجال الرعوي بفعل الملكیة الخاصة، وبذلك تتركز
الأراضي بید الأحانب وعملائھم من قواد وباشاوات. انتشر الفقر في البادیة، فأضطر ھؤلاء القرویون للھجرة نحو المدن خاصة الساحلیة،
وتحول الإنتاج ألفلاحي من المنتجات المعاشیة إلى المنتجات التسویقیة ظھر نتیجتھ تباین كبیر بین المناطق المغربیة الفلاحیة، وكان الإنتاج
یصدر إلى أسواق فرنسا، مخلفا بذلك المجاعة بالبلاد المغربیة.
2.2 / في المدن : .
تعرضت المدن إلى نزوح قوي من القریة، و لم تكن بنباتھا قادرة على استیعاب ھؤلاء المھاجرین، فازدادت مآسي فئات واسعة من
الشعب المغربي في وقت كانت فئات أخرى تجمع الثروات وتستفید من الإمتیازات وھي فئة العملاء، مما سبب اتساعا في الفروقات الاجتماعیة
بین الناس و ازدادت معھ معاناة العمال مع ضعف الأجور ورداءة السكن وغلاء المعیشة. لم تكن للعمال حقوق، بل كان القمع والطھد یلاحقھم
باستمرار لأبسط الأسباب. أما الحرفیون فمعاناتھم كانت مع منافسة البضائع الأجنبیة الرخیصة وقلة وغلاء المواد الأولیة، بالإضافة إلى
الضرائب. لقد كان الحرفي مضطرا باستمرار إلى الاقتراض، وحین تتراكم علیھ القروض، یفقد كل شيء ویسجن...
أن حصیلة الاستغلال كانت عامة ومأساویة ومست مجالات أخرى كالصحة والتعلیم، وخلفت التفاوت بین جھات البلاد وحولت المغاربة
إلى فقراء، أما الأجانب وعملائھم من المغاربة فكانت فرصتھم لیتحولوا إلى أغنیاء على حساب الشعب البئیس.