و بانتقالنا إلى خصائص الخطاب المسرحي نجد من بين أهم المميزات التي تميزه عن باقي سائر الفنون الأخرى كالقصة و المقالة هو وجود الصراع الدرامي حيث ساهمت العديد من الإشارات المسرحية الآتية في تجسيد الملامح النفسية لهذا الصراع و تتمثل في شخصية : فارس : (مذهولا – منهارا – مترددا – شاردا ...) زائد (كمن فقد رشده) .
وسيفيق من حالة الشرود حين يصيح فجأة بعد أن استوعب الموقف ، و أما شخصية رجاء فتتجسد ملامحها النفسية التي أدت إلى وجود صراع درامي قوي و ذلك من خلال تواثر مجموعة من المؤشرات الدالة على ذلك و من أهمها : (تصيح- شبه باكية – تلهث- تتنهد – بسعادة...).
وتعكس هذه المؤشرات كلها على حالة الانفعال و التوتر النفسي الشديد التي عاشتها رجاء في بداية الخطاب المسرحي و هي تحاول إقناع فارس ببراءته من دم أمه . لكن في النهاية تتحول حالة الانفعال و المعاناة إلى سعادة كبيرة نتيجة نجاحها في مهمتها و هي كشفها بأن فارس لم يقتل أمه و أنه بريء من دمها.
و أما الخاصية الثانية المميزة للخطاب المسرحي فتتمثل في هيمنة الحوار و بموجب ذلك نعتقد أن المسرحية هي عبارة عن متوالية حوارية عكس القصة التي يهيمن عليها السارد و الذي يبقى دوره محصورا في الخطاب المسرحي على توزيع بعض الأدوار و بعض الجمل الإخراجية و من أمثلة ذلك :
• صوت قرع شديد على باب.
• تصمت هنيهة.
• صوت أقدامه ثم مزلاج الباب يفتح.
و إلى جانب هذا و بمقارنتنا بين حوار فارس و رجاء نجد أن حوارات رجاء طويلة في حين نجد حوارات فارس شبه قصيرة و يمكن إرجاع ذلك إلى انفعالها و توترها الكبير من جراء خوفها و اعتقادها الخاطئ بأن فارس مذنب و كان سببا في وفاة أمه و لذلك فهي تطرح أسئلة كثيرة و هذفها يتمحور حول بحثها على الحقيقة . كما أن الحوار يستطيع أن يكشف لنا على الصراع النفسي الحاد الذي عاشه فارس بسبب شعوره بالذنب و إحساسه أنه يستحق العقاب وهو صراع تكثفه الجملة التالية:
(لست أدري ... إن صدري يموج كأنه بحر ... لا أستطيع أن أتعرف على مشاعري...).صراع حققت حدته أيضا فمحاولات الإقناع على لسان رجاء و ذلك من خلال استثمارها لمجموعة من الأساليب الإنشائية كالإستفهام و هو في النص موجود بكثرة و مثال ذلك : كيف؟كيف؟ - لايغير شيئا أيها الأحمق ...كيف؟ بالإضافة إلى أسلوب النداء و مثال ذلك إفتح يا فارس ...افتح...افتح...و كذلك استعمال أسلوب النفي كقول فارس : لم أقتلها ؟ ومما يميز الخطاب المسرحي أيضا توطيفه الخاص للأمكنة و الفضاءات ففضلا عن مكان العرض الذي هو خشبة المسرح نجد أن هناك أمكنة ترتبط بالأحداث و هو المنزل حيث توجد بعض المؤشرات التي تدل عليه في النص و من بينها :
• افتح يا فارس ... افتح ... افتح.... .
• لقد ماتت بعد نصف ساعة فقط من مغادرتك البيت .
• صوت قرع شديد على باب .
و من كل ذلك يتبين لنا أن البيت هو المكان الخاص الذي تجري فيه الأحداث و الوقائع إضافة إلى ذلك هناك فضاءات أخرى عامة (كالمدينة – المطار – الطريق...) و مع تنوع المكان نجد أيضا تنوعا للزمان فأمكن القول بعد ذلك إن الزمن العام هو الصباح من خلال تواثر مجموعة من الإشارات الدالة على ذلك كقول فارس:
أتيت مبكرة اليوم هل من جديد و قول رجاء أنت قلت أنك غادرت البيت يوم الثلاثاء في الساعة الثامنة و النصف صباحا . و هذا يؤكد لنا أن زمن الصباح هو المهيمن في النص بالإضافة إلى الزمن العام هناك زمن خاص و هو الليل بدليل قول رجاء : لا.لا.لاتستحقه الليلة. و هذا الزمن في النص قليل بالمقارنة مع زمن الصباح ، و أما الزمن النفسي فيتنوع بتنوع الشخصيات . و من أهم ما يميز النص المسرحي هو وجود قوى فاعلة تحرك مجرى الإحداث داخل النص و تخلق لنا حوار يطبعه الصراع الدرامي ، ففي هذا النص نجد أن الكاتب ركز على شخصيتين رئيسيتين هي التي تقوم بتحريك الأحداث و الوقائع في حين يمكن أن نجد في بعض المسرحيات تعدد في الشخصيات أي نجد أكثر من شخصيتين. وبانتقالنا إلى مظاهر اتساق النص نجده أنه يضمن من خلال توظيف الكاتب لمجموعة من الوسائل اللغوية التي وفرت له اتساقه و انسجامه و نذكر الربط بين الجمل و العبارات بواسطة أدوات العطف و هي في النص كثيرة و غيرها و كذلك تزظيفه للجمل الرابطية و مثال ذلك كانت تشتري طعاما للغذاء ، و كانت على وشك العودة إلى البيت.
كما نجد أيضا توظيف و تنويع الضمائر من ضمير ( المتكلم – الغائب – المفرد – المخاطب) . و تكرار بعض العبارات و الألفااظ في النص : ( تصيح – لم أقتلها- البيت – الصباح ....).
وخلاصة القول إن الخطاب المسرحي نوع أدبي حديث يمثل تطوراا للأشكال الأدبية القديمة كالحكاية و المقالة و هو إطار ناقل لنبض المجتمع منفتح على قضايا سياسية و فكرية قادر على أن يكشف أحوال النفس البشرية و هو شكل فني تمكنه طبيعته من الانفتاح على باقي الفنون الأخرى كالموسيقى و التشكيل و الرقص بل و حتى السينما فضلا عن الغبداع اللغوي