تعد العلاقة شديدة الاتصال بين الأدب و علم النفس، و حسب الأدب ان يكون واضعه و متلقيه و محرره إنسانا حتى يغري لدراسته.
و يقدم علم النفس المفاتيح السحرية لدراسة الأدب، تجربة وإبداعا و تحليلا. فلقد استخدم المنهج النفسي في دراسة الأدب منذ القديم، و مع أنه بقي غير كاف بخصوص توضيح جميع جوانب الأدب، إلا أنه يبقى مفيدا في الكشف عن غوامض و خبايا العمل و صاحبه بقول الدكتور محمد مندور : أما علاقة الأب بالفرد فتدور حول الحاجات الإنسانية التي يمكن أن يشبعها كفن جميل و كأداة للتعبير عن الفرد ، و اهم مبحث هو تحليل حاسة الجمال عند البشر . و البحث عن أصولها وأهدافها المختلفة و التمييز بين مفارقاتها فهذا الشئ الجميل أو اللطيف أو الجليل.ومن حيث أن الأدب تعبير جمالي نفسي فعلى علم الأدبي أن يقف عند ( نظرية انتقال المشاعر) كأن يحب الشاعر مثلا ديار محبوبته من أجلها"و الشعراء العرب كثيرا ما كانوا يحبون ديار محبوباتهم من هذه النظرة (انتقال المشاعر)و إذا كان من اللازم على الدارس أن ينبش في الكنوز المختبئة في بواطن ، فإن من المفيد له أن يمعن النظر في عملية الإبداع بل و في المبدع نفسه، و القوانين النفسية المتحكمة في شخصيات العمل الأدبي.
وفي دراستنا لعملية الإبداع واليتها يمكن أن تشير إلى نظرية الإلهام عند أفلاطون ، الذي يعتبر أن المقدرة الإبداعية عند الأديب هي
الحماسة أو الحب ويرى أن مصدر هذا الإلهام هم الوحي الإلهي حيث تدفع ربات الشعر موضوعات الشاعر له.وعلى هذا
فإنه يمكن للآهة أن تنزع العقل عن الشعراء ،وتستخدمهم كهانا أو سحرة ملهمين .
وتقوم عملية الإلهام عنده على اذكر الإنسان لما رآه من صور في عالم المثل الذي كانت تحيا فيه النفس ، ومن ثم تقليد هذه الصور في عالم المحسوسان . مما جعل الشاعر يحس بالجزع والحزن الذي يعقله شعور بالحماسة يدفع الشعر على شكل أغاني .
وأكثر الشعراء مدينون بأشعارهم الجميلة للحماسة ولنوع من الغيبوبة لا للفن ، وهم يشبهون على حد قول أفلاطون :'كهانا اللآلهة سيبلي الذين لا يرقصون إلا إذا خرجوا عن شعورهم ،وهذه الحالة تشبه حالة الوجد و الشرف عند بعض فرق الصوفية في بلادنا ،
والتي ترقص إذا هي اتحدت بالغيب وتجاوزت الوجود ،وقد اتبع المذهب الرومانسي طريق أفلاطون وترسموا خطه وصبغوه بلون من التصوف ،فعن فيكتور هيجو الشاعر ساحر يسمع ويردد ما يتلقاه من عالم الغيب ، بينما يرى شيلي الشاعر ينقل للناس رسالة من الله .
لقد كانت نظرة الرومانسيين الأوربيين للإلهام تلتقي مع نظرتهم الطبيعة فكلاهما هبة من الله .
بينهما يرى محيي الدين بن عربي أن الإلهام ظاهرة ممكنة الحدوث لأي إنسان بشروط هي:
1-إيمان هذا الإنسان بقدرة القوة الخارقة الله
2-كون الإنسان صافي الذهن
3- استعداده لإدراك لطائف المعرفة
و لكنه اي ابن عربي كافلاطون يرى أن الإلهام فيض يتلقاه الإنسان من خارج الذات .
و يعد ابن سينا حدسا أو إشراقا يتحصل في النفس فتدرك الموجودات و المعقولات بما تستفيده من العقل الفعال . وقد يكون الإلهام رؤيا ، بينما الحدس متفاوت بين الناس و لا يمكن التوصل للعقل الفعال إلا بالإتصال بالله و ملائكته ، و قد اعتبر ابن سينا الإلهام طريقة لتحصيل المعرفة من الغقل الفعال .
و ترى الإتجاهات الحديثة أن الشعر تعبير عن انفعال مستعاد بهدوء ، تظهر فيه غريزة إظهار النفس حد الظهور و هذه الغريزة الاجتماعية ناجمة عن الرغبة في التعاطف و التلذذ بإنشاء شيء جديد . فالشاعر كالطفل ينشأ لينفس عن وجدانه الرائد و هو أي الإلهام تألق و انجداب عند دولاكروا – قيليكس بينما يرى ديكارت –برغسون –أوستن و ارين أن الإلهام عملية تأمل لاشعوري ينتهي بالحدس .
ويبدو أن الفنان كما تزعم أدين ستويل يحتفظ روحيا و نفسيا برؤياه ، كما يحتفظ الطفل بمباهج الكون حين تبدو له . و يرى لامب أن الفنان يحلم في اليقظة بينما يرى بول فاليري أن الملهم تستلب إرادته فتنهال عليه الأفكار.
و إذا ما تجاوزنا لامب إلى بودلير فإنا نجد أن مبدأ الشعر عنده يعتمد على الطموح الإنساني إلى جمال سام يكمن بالحماسة و انخطاف الروح و هو أي الإلهام ، و عند بالدوين إشراف ذهني يأتي مما وراء الطبيعة و هذا يخالف ما قاله إذغار ألن بو من أن عملية الإلهام موجهة من الشعور . و يرى فرويد أن الإلهام حالة اللاشعور –السامي- بينما يعتبر تلميذه يونغ أن مصدر هذا الإلهام الإسقاط في اللاشعور الجمعي الذي يكون ضمن بيئة معينة و تلقى مفاهيم مختلفة . وقد تحدث أرسطو عن التطهير الذي تحدثه المأساة فينا ، و أشار إلى الإلهام . و لكن يبقى أن نقول إن الإلهام عملية معقدة لم يستطع الأدباء أو الشعراء و لا حتى علماء النفس ان يجدوا لها التفسير النهائي و ستبقى الىراء متضاربة و مختلفة حول ما هية الإلهام . فهو كالروح سر من اسرار الوجود يشع و لا نرى مصدر إشعاعه ، و يتحدث ولا نبصر فمه ، يسري في عروقنا و لا نلمسه بأيدينا ...
إن التفسير الخرافي الذي تبناه شعراء العرب سابقا يجعلنا نؤكد أن عملية الإلهام عملية معقدة ، و هذا ما جعلهم ينسبون الشعر لشياطينهم ، حتى إنهم جعلوا بعض هذه الشياطين ذكورا و بعضهم إناثا . وقد بقيت التفسيرات الأدبية لمصدر الإلهام غامضة حتى جاء فرويد و تبنى نظرية جديدة في تفسير عملية الإلهام . وما يميز نظرية فرويد هذه عن غيرها : أنه تزعم أن أفعالنا تحفزها قوى نفسية لا نعرف الكثير عنها و ان هذه القوى الغامضة لا نستطيع التحكم فيها ، إذ أن مركز الثقل في الحياة النفسية الإنسانية هو اللاشعور ولا يمكن لنا أن نعرف هذا "اللاشعور " إلا من خلال تأثير اللاحق في حياتنا و بعد فوات الأوان . فالعمليات الواعية تكون واعية لفترة قصيرة ترتد بعدها إلى دائرة اللاوعي و هو عالم محوط بالاسرار العميقة . و يميز فرويد بين نوعين من اللاوعي ، الاول يمكن تحويله بسهولة و شروط إنسانية إلى وعي . و الآخر يستحيل تحويله إلى وعي بمعجزة كبيرة .
وقد أفسح فرويد مجالا للواقع الجنسي في اللاوعي الإنساني ، و هذا ما أخذ عليه وقد رفض ذلك نلميذاه يونغ و ادلر وقد قسم فرويد المناطق النفسية إلى منطقة "الهو" وهي مركز الثقل في حياتنا النفسية و خزان الدافع الجنسي و منبع الطاقات الحيوية ، فيما يحكم هذه المنطقة مبذأ اللذة و إشباع الغريزة . و هذه المنطقة تعادي وتكره المنطق و لا تعرف القيم الإجتماعية ، و لا الضوابط الخلقية . تنطوي على دوافع متناقضة يمكن لها أن تتجاوز دون مشكلة غايتها في إرضاء الغرائز و هي مدمرة في نهاية المطاف . ولا تهتم بسلامة الذات و الآخرين.