الولادة
تصيحين..تبكين.. الألم لا يرحم.. لا يرأف بجسدك النحيل.. تشدين الحبل بحرارة و أياد متوترة تمسح عرقك و دموعك.. كل المناشير اجتمعت على أعصابك تنشرها.. تقتربين من بوابة الأخرى، لكنك تتراجعين و ترجعين.. يعيدك بكاء طفلك الوليد..
العجوز
يقتعد كرسيه الخشبي المتأرجح.. يحمل سَبحته البنية القديمة.. يرتخي محدقا في قافلة الغيوم الراحلة بلا هم.. يردد في خشوع تسبيحاته.. يحول نظره إلى زوجته العجوز و هي تروي ضمأ نباتاتها المنزلية و تتفحص أوراقها الطرية..
يبتسم قليلا ثم يكركر:
إيه، ياحورية لقد شخت..
الفراغ
جمعت قواي و ما بقي لذي من شجاعة و انتصبت واقفا.. نفسي يكاد ينقطع.. الجرح النازف من كتفي يلعن الرصاصة الخارقة.. الرشاش الروسي لفظ أغلب ذخيرته و العمارة المقصوفة هناك تبدو بعيدة، و ما بيننا مسافة من نار و دم و الكثير من الجثث.. لم يعد معي من يساندني، كلهم ارتحلوا.. أفكر.. أتردد قليلا ثم انطلق في الظلام الحالك، في الفراغ.
السقوط
الأصوات المتوحشة خلفه تعوي.. تنحدر نحوه قدرا مشؤما لا يرحم.. وهو في وجله أيلا مطاردا يهرول في الغابة بلا بوصلة .. فقط يركض بكل ما أوتي من نفس و طاقة.. بذلته الوحيدة تمزقت وأمست مرتعا للأشواك و النبتات المسننة..لم يلتفت، لم يصيح.. كل ما يصر عليه حاليا أن يصل إلى الاسمنت ..لكنه وصل لمنحدر.. لواد سحيق ..و الأصوات الجائعة خلفه ما زالت تهدر.. تتكور نحوه ..
لم يفكر طويلا بل اختزل كل التفكير في قرار واحد.. نظر خلفه.. لأول مرة منذ أن أفلت ينظر وراءه، التفت ثانية و حدق في الفراغ إلى العمق المظلم و هلل ثلاثا مرفقات بالتشهد.. أغمض عينيه و قفز ..كل ما أحس به وهو يرتطم باليابسة برودة البلاط و هي توقظه.
الانعتاق
فتح عينيه اليابستين فجأة.. حملق إلى السقف بانبهار.. لم يكن هناك سقف، كانت هناك غمامة ووجوه غريبة.. عيناه الجاضتان تسمرتا على الوجوه الغريبة و أذناه أصغيتا السمع لأصوات قريبة كتمت أصوات أخرى بعيدة.. كل كيانه تسمر مطاعا لتلك الأصوات و هي توشوش له، تخافته، تستدعيه، تدعوه للإنعتاق و تمد إليه الأيادي.. يستجيب للإغراء ويمد يديه ..يلامس أسطحا لم يلامس مثلها من قبل و لم يجد لملمسها وصفا فقط دفأ عجيبا يغزوه كلية.. و بغتة تسحبه إليها.. خلعته من ما كان، جثة هامدة على سرير حقير.